فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيۡرَ فَقَالَ مَالِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَآئِبِينَ} (20)

ثم شرع سبحانه في ذكر قصة بلقيس ، وما جرى بينها وبين سليمان ، وذلك بدلالة الهدهد ، فقال : { وَتَفَقَّدَ الطير } التفقد : تطلب ما غاب عنك ، وتعرّف أحواله ، والطير : اسم جنس لكلّ ما يطير ، والمعنى : أنه تطلب ما فقد من الطير ، وتعرف حال ما غاب منها ، وكانت الطير تصحبه في سفره ، وتظله بأجنحتها { فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الهدهد أَمْ كَانَ مِنَ الغائبين } أي ما للهدهد لا أراه ؟ فهذا الكلام من الكلام المقلوب الذي تستعمله العرب كثيراً ، وقيل لا حاجة إلى ادّعاء القلب ، بل هو استفهام عن المانع له من رؤية الهدهد ، كأنه قال : مالي لا أراه ؟ هل ذلك لساتر يستره عني ، أو لشيء آخر ؟ ثم ظهر له أنه غائب ، فقال : { أم كان من الغائبين } و { أم } هي المنقطعة التي بمعنى الإضراب قرأ ابن كثير وابن محيصن وهشام وأيوب { مالي } بفتح الياء ، وكذلك قرؤوا في يس { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِي } [ يس : 22 ] بفتح الياء ، وقرأ بإسكانها في الموضعين حمزة والكسائي ، ويعقوب ، وقرأ الباقون بفتح التي في [ يس ] وإسكان التي هنا . قال أبو عمرو : لأن هذه التي هنا استفهام ، والتي في [ يس ] نفي ، واختار أبو حاتم وأبو عبيد الإسكان .

/خ26