تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيۡرَ فَقَالَ مَالِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَآئِبِينَ} (20)

[ الآية 20 ] وقوله تعالى : { وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين } عن ابن عباس رضي الله عنه ، [ أنه ]{[14964]} قال : تدرون كيف تفقد سليمان الهدهد ؟ ثم قال : إنه إذا كان في فلاة من الأرض دعا الهدهد ، فسأله عن بعد الماء في الأرض وغوره ، فو يعلمه من بين غيره من الطيور . لذلك تفقده ، وسأله عن حاله . وذكر أنه سأل ابن سلام عن ذلك ، فأخبر بذلك .

لكن هذا بعيد لأن سليمان ، صلوات الله عليه ، كانت هل الريح مسخرة ، وذكر أنها كانت تحمله ، وتسير به كل غداة مسيرة شهر وكل عشية كذلك . وهو قوله { ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر } [ سبإ : 12 ] فلا يحتمل إذا وقعت له الحاجة إلى الماء ألا يبلغ إلى الماء حتى يحتاج إلى أن يحفر له اليسير ، فيستخرج منه الماء ، وما كان له من الشياطين والجن مسخرين له مذللين حتى قال واحد منهم : { أنا آتيك به } [ النمل : 39 ] يعني عرش بلقيس { قبل أن تقوم من مقامك } وقال الآخر : { أنا آتيك به قبل لأن يرتد إليك طرفك } [ النمل : 40 ] .

فمن له سلطان وقوة على القدر الذي ذكر لا يحتمل أن تقع له الحاجة إلى الماء . وإذا وقعت يحتاج إلى أن يتكلف وصوله إليه بالهدهد مع تكلف الحفر في الأرض . هذا يبعد عزه ، والله أعلم . إلا أن يخرج على الامتحان ويكون تفقده الطير لما كان عليه حفظهم جميعا ومنعه إياهم عن الانتشار في الأرض والتفرق لا لما ذكروا هم ، والله أعلم ، لما على كل ملك وأمير حفظ رعيته وحاشيته والتفقد عن أحوالهم وأسبابهم . فعلى ذلك هذا .

ثم يحتمل أن يكون من كل صنف من لطير واحد لا عدد حتى قال : { مالي لا أرى الهدهد } إذ لو كان عددا من الهداهد لقال : مالي لا أرى الهداهد إلا أن يكون الذي فقده كان رئيسا لغيره من الهداهد وسيدهم .

فجائز أن يقال ذلك { مالي لا أرى الهدهد } من بين غيره{[14965]} ، يغيب عن بصري ، ولا أدركه { أم كان من الغائبين } منهم . فكأنه سأل واحدا منهم عن ذلك ، فأخبر أنه من الغائبين .


[14964]:- ساقطة من الأصل وم.
[14965]:- في الأصل وم: غيرهم.