المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (5)

5- هؤلاء الموصوفون بما سبق من صفات ، متمكنون من أسباب الهداية الإلهية ، مستقرون عليها ، أولئك هم وحدهم الفائزون بمطلوبهم ومرغوبهم ثواباً لسعيهم واجتهادهم وامتثالهم الأوامر واجتنابهم النواهي .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (5)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك الثمار التي ترتبت على تقواهم فقال : أولئك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وأولئك هُمُ المفلحون } .

المفلحون : من الفلاح وهو الظفر والفوز بدرك البغية ، وأصله من الفلح - بسكون اللام - وهو الشق والقطع ، ومنه فلاحة الأرض وهو شقها للحرث . وأستعمل منه الفلاح في الفوز كأن الفائز شق طريقه وفلحه للوصول إلى مبتغاه ، أو انفتحت له طريق الظفر وانشقت . والمعنى : أولئك المتصفون بما تقدم من صفات كريمة ، على نور من ربهم ، وأولئك هم الفائزون بما طلبوا ، الناجون مما منه هربوا ، بسبب إيمانهم العميق ، وأعمالهم الصالحة .

والآية الكريمة كلام مستأنف لبيان أن أولئك المتقين في المنزلة العليا من الكمال الإنساني ، فقد وصفهم - سبحانه - بأنهم على هدى عظيم ، ويدل على عظم هذا الهدى إيراده بصيغة التنكير ، إن من المعلوم عند علماء البيان أن التنكير يدل بمعونة المقام على التعظيم . كما يدل - أيضاً - على عظم هذا الهدى وصفه بأنه " من ربهم " فهو الذي وفقهم إليه ، ويسر لهم أسبابه . وفي قوله - تعالى - : { على هُدًى } إشعار بأنهم تمكنوا منه تمكن من استعلى على الشيء ، وصار في قرار راسخ منه . وجملة " وأولئك هم المفلحون " بيان لما ظفر به المتقون الحائزون لتلك الخصال ، من سعادة في الدنيا والآخرة .

وتعريف الخبر وهو { المفلحون } مع إيراد ضمير الفصل " هم " يفيد أن الفلاح مقصور على أولئك المتقين ، فمن لم يؤمن بالغيب ، أو أضاع الصلاة ، أو بخل بالمال الذي منحه الله إياه فلم يؤده في وجوهه المشروعة ، فإنه لا يكون من المهتدين ، ولا من المفلحين الذين سعدوا في دنياهم وآخرتهم . قال الإمام الرازي : " وفي تكرير " { أولئك } تنبيه على أنهم كما ثبت لهم الاختصاص بالهدى ، فقد ثبت لهم الاختصاص بالفلاح - أيضاً - فقد تميزوا عن غيرهم بهذين الاختصاصين ، فإن قيل : فلم جيء بالعاطف ؟ وما الفرق بينه وبين قوله : { أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ أولئك هُمُ الغافلون } قلنا : قد اختلف الخبران ههنا فلذلك دخل العاطف ، بخلاف الخبرين ثمة فإنهما متفقان ، لأن التسجيل عليهم بالغفلة وتشبيههم بالبهائم شيء واحد ، وكانت الثانية مقررة لما في الأولى ، فهي من العطف بمعزل " . وقال صاحب الكشاف بعد تفسيره لهذه الآية الكريمة " . . . فانظر كيف كرر الله التنبيه على اختصاص المتقين بنيل ما لا يناله أحد على طرق شتى ، وهي : ذكر اسم الإشارة ، وتكريره ، وتعريف المفلحين ، وتوسيط ضمير الفصل بينه وبين أولئك ، ليبصرك مرتباتهم ، ويرغبك في طلب ما طلبوا ، وينشطك لتقديم ما قدموا ، ويثبطك عن الطمع الفارغ والرجاء الكاذب والتمني على الله ما لا تقتضيه حكمته ولم تسبق به كلمته . . . " .

وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد مدحت القرآن الكريم بما يستحقه ، وأثنت على من اهتدوا بهديه ، ووصفتهم بالصفات السامية ، وبشرتهم بالبشارات الكريمة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (5)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ أُوْلََئِكَ عَلَىَ هُدًى مّن رّبّهِمْ وَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }

اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله جل ثناؤه بقوله : أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبّهِمْ فقال بعضهم : عَنَى بذلك أهل الصفتين المتقدمتين ، أعني المؤمنين بالغيب من العرب والمؤمنين وبما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم وإلى من قبله من الرسل ، وإياهم جميعا وصف بأنهم على هدى منه وأنهم هم المفلحون . ذكر من قال ذلك من أهل التأويل :

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أما الذين يؤمنون بالغيب ، فهم المؤمنون من العرب ، والذين يؤمنون بما أنزل إليك : المؤمنون من أهل الكتاب . ثم جمع الفريقين فقال : أُولَئِكَ على هدَىً مِنْ رَبّهِمْ وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ .

وقال بعضهم : بل عَنَى بذلك المتقين الذين يؤمنون بالغيب وهم الذين يؤمنون بما أنزل إلى محمد ، وبما أنزل إلى من قبله من الرسل .

وقال آخرون : بل عَنَى بذلك الذين يؤمنون بما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، وبما أنزل إلى من قبله ، وهم مؤمنو أهل الكتاب الذين صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ، وكانوا مؤمنين من قبلُ بسائر الأنبياء والكتب .

وعلى هذا التأويل الاَخر ، يحتمل أن يكون : الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ في محل خفض ، ومحل رفع فأما الرفع فيه فإنه يأتيها من وجهين : أحدهما من قبل العطف على ما في يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ من ذكر «الذين » . والثاني : أن يكون خبر مبتدأ ، ويكون : أُولَئِكَ على هُدىً مِنْ رَبّهِمْ رافعها . وأما الخفض فعلى العطف على الْمُتّقِينَ . وإذا كانت معطوفة على «الذين » اتجه لها وجهان من المعنى ، أحدهما : أن تكون هي «والذين » الأولى من صفة المتقين ، وذلك على تأويل من رأى أن الاَيات الأربع بعد الم نزلت في صنف واحد من أصناف المؤمنين . والوجه الثاني : أن تكون «الذين » الثانية معطوفة في الإعراب على «المتقين » بمعنى الخفض ، وهم في المعنى صنف غير الصنف الأول . وذلك على مذهب من رأى أن الذين نزلت فيهم الاَيتان الأوّلتان من المؤمنين بعد قوله الم غير الذين نزلت فيهم الاَيتان الاَخرتان اللتان تليان الأوّلتين . وقد يحتمل أن تكون «الذين » الثانية مرفوعة في هذا الوجه بمعنى الاستئناف ، إذ كانت مبتدأ بها بعد تمام آية وانقضاء قصة . وقد يجوز الرفع فيها أيضا بنية الاستئناف إذ كانت في مبتدأ آية وإن كانت من صفة المتقين . فالرفع إذا يصح فيها من أربعة أوجه ، والخفض من وجهين .

وأولى التأويلات عندي بقوله : أُولَئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبّهِمْ ما ذكرت من قول ابن مسعود وابن عباس ، وأن تكون «أولئك » إشارة إلى الفريقين ، أعني المتقين وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ، وتكون «أولئك » مرفوعة بالعائد من ذكرهم في قوله : على هُدًى مِن رَبّهِمْ وأن تكون «الذين » الثانية معطوفة على ما قبل من الكلام على ما قد بيناه .

وإنما رأينا أن ذلك أولى التأويلات بالآية ، لأن الله جل ثناؤه نعت الفريقين بنعتهم المحمود ثم أثنى عليهم فلم يكن عزّ وجل ليخص أحد الفريقين بالثناء مع تساويهما فيما استحقا به الثناء من الصفات ، كما غير جائز في عدله أن يتساويا فيما يستحقان به الجزاء من الأعمال فيخص أحدهما بالجزاء دون الاَخر ويحرم الاَخر جزاء عمله ، فكذلك سبيل الثناء بالأعمال لأن الثناء أحد أقسام الجزاء . وأما معنى قوله : أُولَئِكَ على هُدًى مِنْ رَبّهِمْ فإن معنى ذلك أنهم على نور من ربهم وبرهان واستقامة وسداد بتسديد الله إياهم وتوفيقه لهم كما :

حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أُولَئِكَ على هُدىً مِنْ رَبّهِمْ أي على نور من ربهم ، واستقامة على ما جاءهم .

القول في تأويل قوله تعالى : وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ .

وتأويل قوله : وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ أي أولئك هم المُنْجحون المدركون ما طلبوا عند الله تعالى ذكره بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله ، من الفوز بالثواب ، والخلود في الجنان ، والنجاة مما أعد الله تبارك وتعالى لأعدائه من العقاب . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة . قال : حدثنا ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ أي الذين أدركوا ما طلبوا ، ونجوا من شرّ ما منه هربوا . ومن الدلالة على أن أحد معاني الفلاح إدراك الطلبة والظفر بالحاجة ، قول لبيد بن ربيعة :

اعْقِلِي إنْ كُنْتِ لَمّا تَعْقِلِي*** ولَقَدْ أفْلَحَ مَنْ كانَ عَقَلْ

يعني ظفر بحاجته وأصاب خيرا . ومنه قول الراجز :

عَدِمْتُ أُمّا وَلَدَتْ رَباحا *** جاءَتْ بِهِ مُفَرْكَحا فِرْكَاحَا

تَحْسَبُ أنْ قَدْ وَلَدَتْ نَجاحا*** أشْهَدُ لاَ يَزِيدُهَا فَلاحا

يعني خيرا وقربا من حاجتها . والفلاح : مصدر من قولك : أفلح فلان يُفلح إفلاحا ، وفلاحا ، وفَلَحا . والفلاح أيضا البقاء ، ومنه قول لبيد :

نحُلّ بلادا كُلّها حُلّ قَبْلَنَا *** وَنَرْجُو الفَلاَحَ بَعْدَ عادٍ وحِمْيَرِ

يريد البقاء . ومنه أيضا قول عَبيد :

أفْلِحْ بما شِئْتَ فَقَدْ يَبْلُعُ بالضّ *** عْفِ وَقَدْ يُخْدَعُ أَلارِيبُ

يريد : عش وابق بما شئت . وكذلك قول نابغة بني ذبيان :

وكُلّ فَتًى سَتَشْعَبُهُ شَعُوبٌ *** وَإنْ أثْرَى وَإنْ لاقى فَلاحا

أي نجاحا بحاجته وبقاءً .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (5)

أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( 5 )

وقوله تعالى : { أولئك } إشارة إلى المذكورين ، و «أولاء » جمع «ذا » ، وهو مبني على الكسرة لأنه ضَعُفَ لإبهامه عن قوة الأسماء ، وكان أصل البناء السكون فحرك( {[175]} ) لالتقاء الساكنين ، والكاف للخطاب ، و «الهدى » هنا( {[176]} ) الإرشاد . و { أولئك } الثاني ابتداء ، و { المفلحون } خبره ، و { هم } فصل ، لأنه وقع بين معرفتين ويصح أن يكون { هم } ابتداء ، و { المفلحون } خبره ، والجملة خبر { أولئك } .

والفلح( {[177]} ) الظفر بالبغية وإدراك الأمل ومنه قول لبيد( {[178]} ) : [ الرمل ] .

اعقلي إن كنت لمّا تعقلي . . . ولقد أفلح من كان عقلْ

وقد وردت للعرب أشعار فيها الفلاح بمعنى البقاء ، كقوله : [ الطويل ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ونرجو الفلاحَ بَعْدَ عادٍ وحمْيَرِ ( {[179]} )

وكقول الأضبط : [ المنسرح ]

لِكُلّ همٍّ من الهموم سَعَهْ . . . والصُّبْحُ والمسى لا فلاح معه( {[180]} )

والبقاء يعمه إدراك الأمل والظفر بالبغية ، إذ هو رأس ذلك وملاكه وحكى الخليل الفلاح على المعنيين .


[175]:- أي وكانت الحركة كسرة لما ذكره المؤلف رحمه الله.
[176]:- سبق له في شرح [اهدنا الصراط المستقيم] أن الهدى في هذه الآية معناها خلق الإيمان في القلب، إلا أنه قال هناك: الهدى تتصرف في الكلام على وجوه وكلها ترجع إلى معنى الإرشاد، فقوله: [على هدى] أي على نور وبصيرة، بإرشاده تعالى وتوفيقه، وفي قوله تعالى: [من ربهم]، دون أن يقال من أنفسهم رد على القدرية والمعتزلة.
[177]:- الفَلح: لغة في الفلاح.
[178]:- راجع ديوانه.
[179]:- هو للبيد بن ربيعة- وصدر البيت: نحِلُّ بلادا كلها حل قبلنا......
[180]:- هو الأضبط بن قريع السعدي وبعد البيت المذكور: فصل حبال البعيد إن وصل الحبْل وأقْص القريب إن قطعه لا تحقرن الفقير علك أن تركع يوما والدهر قــد رفــعه وارض من الدهر ما أتاك به من يرض يوما بعيشه نفعه قد يجمع المال غير آكلـــــــه ويأكل المال غير من جمعه ومعنى البيت الأول: إنه ليس مع كر الليل والنهار بقاء.