قوله تعالى : { أُوْلَئِكَ } : مبتدأٌ ، خبرهُ الجارُّ والمجرورُ بعده أي كائنون على هدى ، وهذه الجملة : إمَّا مستأنفةٌ وإمّا خبرٌ عن قوله : { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } إمَّا الأولى وإمَّا الثانية ، ويجوز أن يكون " أولئك " وحدَه خبراً عن { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } أيضاً إمَّا الأولى أو الثانية ، ويكون " على هدى " في هذا الوجهِ في محلِّ نصب على الحالِ ، هذا كلُّه إذا أعربنا { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } مبتدأ ، أمَّا إذا جعلناه غيرَ مبتدأ فلا يَخْفَى حكمه مِمّا تقدم . ويجوز أن يكونَ { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } مبتدأ ، و " أولئك " بدلٌ أو بيانٌ ، و " على هدى " الخبرُ ، و " مِنْ ربهم " في محلِّ جرٍّ صفةً لهُدى ، ومِنْ لابتداء الغاية . ونَكَّر " هُدَى " ليفيدَ إبهامُه التعظيم كقوله :
فلا وأبي الطيرِ المُرِبَّة بِالضُّحى *** على خالدٍ لقد وقَعْتِ على لَحْمِ
ورُوِيَ " مِنْ ربهم " بغير غُنَّة وهو المشهورُ ، وبغنَّة ويُروى عن أبي عمرو .
و " أولئك " : اسمُ إشارةٍ يشترك فيه جماعةُ الذكور والإِناث ، وهو مبنيٌّ على الكسر لشبِهْه بالحرفِ في الافتقار ، وفيه لغتان : المدُّ والقَصْر ، ولكنَّ الممدود للبعيد ، وقد يقال : أولا لِك ، قال :
أُولا لِك قومي لم يكونوا أُشَابَةً *** وهل يَعِظُ الضِّلِّيلَ إلا أُولا لِكَا
وعند بعضهم : المقصودُ للقريب والممدودُ للمتوسط وأولا لك للبعيد ، وفيه لغاتٌ كثيرة . وكتبوا " أولئك " بزيادةِ واو قبل اللام ، قيل للفرقِ بينها وبين " إليك " .
{ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } : " أولئك " مبتدأ و " هم " مبتدأ ثانٍ ، و " المفلحون " خبره ، والجملةُ خبر الأول ، ويجوز أن يكونَ " هم " فصلاً أو بدلاً ، والمفلحون : الخبر . وفائدةُ الفصل : الفرقُ بين الخبرِ والتابعِ ، ولهذا سُمِّيَ فَصْلاً ، ويفيدُ أيضاً التوكيدَ ، وقد تقدَّم أنه يجوز أن يكون " أولئك " الأولى أو الثانية خبراً عن " الذين يؤمنون " ، وتقدَّم تضعيفُ هذين القولين . وكَرَّرَ " أولئك " تنبيهاً أنهم كما ثَبَتَت لهم الأُثْرَةُ بالهُدَى ثَبَتت لهم بالفلاح ، فجُعِلت كلُّ واحدةٍ من الأُثْرَتَيْنِ في تميُّزِهم بها عن غيرِهم بمثابةِ لو انفردت لَكَفَتْ مُمَيِّزة على حِدَتها .
وجاء هنا بالواو بين جملةِ قوله : { أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } بخلافِ قوله تعالى في الآية الأخرى : { أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [ الأعراف : 179 ] لأن الخبرَيْن هنا متغايران فاقتضى ذلك العطفَ ، وأما تلك الآيةُ الكريمةُ فإن الخبريْن فيها شيءٌ واحدٌ ، لأن التسجيلَ عليهم بالغفلةِ وتشبيهَهم بالأنعام معنى واحدٌ وكانَتْ عن العطف بِمَعْزِل .
قال الزمخشري : " وفي اسم الإِشارة الذي هو " أولئك " إيذانٌ بأنَّ ما يَرِد عقيبَه والمذكورين قبله أهلٌ لاكتسابِه من أجل الخصال التي عُدِّدَت لهم ، كقول حاتم : " وللهِ صعلوكٌ " ، ثمَ عَدَّد له خِصالاً فاضلة ، ثم عقَّبَ تعديدها بقوله :
فذلك إن يَهْلِكْ فَحُسْنى ثناؤُه *** وإن عاش لم يَقْعُدْ ضعيفاً مُذَمَّماً
والفلاحُ أصله الشَّقُّ ، ومنه قوله : " إن الحديد بالحديد يفلح " ومنه قول بكر بن النطاح :
لاَ تَبْعَثَنَّ إلى ربيعةَ غيرَها *** إن الحديدَ بغيرِه لا يُفْلِح
ويُعَبَّرُ به عن الفوز والظفر بالبُغْيَة وهو مقصودُ الآيةِ ، ويُراد به البَقاءُ ، قال :
لو أن حَيَّاً مُدْرِكُ الفَلاحِ *** أَدْرَكه مُلاعِبُ الرِّماحِ
نَحُلُّ بلاداً كلُّها حَلَّ قبلَنا *** ونرجو الفَلاَح بعد عادٍ وحِمْيَرِ
لكلِّ هَمٍّ من الهُموم سَعَهْ *** والمُسْيُ والصُّبْحُ لا فَلاَح معه
أَفْلِحْ بما شِئْت فقد يُبْلَغُ بال *** ضَّعْفِ وقد يُخْدَعُ الأَريب
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.