الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (5)

وقوله : ( أُوْلاَئِكَ عَلَى هُدىً مِّن رَّبِّهِمْ )[ 4 ] أي على هداية ورشد وبيان .

قال محمد بن إسحاق( {[656]} ) : " على نور من ربهم واستقامة على ما جاءهم( {[657]} ) " .

و " أولاء " جمع " ذا " المبهم من غير لفظه ، وهو مبني على الكسر لالتقاء الساكنين وعلة بنائه مشابهته( {[658]} ) للحروف ، وإنما شابه الحروف لمخالفته لجميع الأسماء إذ لا يستقر على مسمى ، فلما خالف جميع الأسماء والحروف أيضاً مخالفة لجميع الأسماء( {[659]} ) إذ لا تفيد معنى في نفسها ، إنما تفيده في غيرها ، والأسماء تفيد المعاني بأنفسها ، فاتفقا في مخالفة الأسماء فبنيت هذه الأسماء لذلك . وحق البناء السكون ، لكن اجتمع في آخر " أولاء " ألفان فأبدل من الثانية همزة وكسرت لسكونها وسكون ما قبلها والكاف لا موضع لها ، إنما هي للمخاطب ككاف " ذلك " .

وقوله : ( هُمُ المُفْلِحُونَ )[ 4 ] .

( هُمُ ) : مبتدأ و( الْمُفْلِحُونَ ) : الخبر ، والجملة : خبر عن ( أُوْلاَئِكَ )( {[660]} ) ويجوز أن تكون( {[661]} ) ( هُمُ ) : فاصلة لا موضع لها من الإعراب( {[662]} ) وهي وأخواتها يدخلن فواصل بين الابتداء والخبر دخل( {[663]} ) عليه عامل أم لم يدخل ، ولا تكون إلا إذا كان الخبر معرفة أو ما قارب( {[664]} ) المعرفة ، فإن كان الخبر نكرة أو فعلاً أو جملة لم تكن إلا مبتدأة .

فهذا أصل الفاصلة فاعرفه ، وهي تكون فاصلة على أحد ثلاثة أوجه :

- إما أن تكون فصلاً بين المعرفة والنكرة ، فيكون دخولها يدل على أنالخبر معرفة أو ما قرب( {[665]} ) من المعرفة .

- والثاني : أن تدخل فصلاً بين النعت والخبر ، فدخولها فاصلة يدل على أن ما بعدها خبر لما قبلها ، وليس بنعت( {[666]} ) لما/ قبلها ، فإذا قلت : " إن زيداً هو الظريف " علم بدخول " هو " أن " الظريف " خبر ، وليس بنعت لزيد .

- والثالث : أن تدل( {[667]} ) بدخولها مع " كان " ، على أن " كان " هي الناقصة التي تحتاج إلى خبر ، وليست ب " كان " التامة التي لا تحتاج إلى خبر ، ولا تكون الفاصلة إلا وهي الأولى( {[668]} ) .

في المعنى تقول : " كان زيد هو( {[669]} ) العاقل " . " فهو " : هو/ زيد في المعنى ، ولو قلت : " كان زيد( {[670]} ) أنت الضارب إياه " ، لم تكن " أنت " فاصلة ، لأنها ليست هي الأولى في المعنى ، ولا تكون هنا إلا مبتدأة .

وأصل الفلاح البقاء في الخير( {[671]} ) ، فالمعنى( {[672]} ) : وأولئك هم الباقون في النعيم المقيم ، والمؤمن مفلح لبقائه في الجنة ، ثم اتسع فيه ، فقيل لكل من قال خيراً : مفلح .


[656]:- هو أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن يسار. روى عنه السفيانان وشعبة بن الحجاج. (ت 151هـ). انظر: طبقات ابن خياط 271 وطبقات ابن سعد 7/321.
[657]:- القول لابن عباس. وإنما رواه ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن سعيد بن جبير عنه. انظر: جامع البيان 1/249.
[658]:- في ع2: مشابهة.
[659]:- قوله: "إذ لا يستقر.. لجميع الأسماء" سقط من ع2.
[660]:- انظر: إعراب القرآن 1/133 والإملاء 1/14.
[661]:- في ع1، ع3: يكون.
[662]:- انظر: إعراب القرآن 1/133 والإملاء 1/14.
[663]:- في ع3: داخل. وهو خطأ.
[664]:- في ع3: قرب. وهو خطأ.
[665]:- في ع2: قارب.
[666]:- في ع2: لنعت.
[667]:- في ع3: تدخل. وهو تحريف.
[668]:- في ع2: الألى. وهو تحريف.
[669]:- في ق، ع3: وهو.
[670]:- في ع1، ق: زيداً.
[671]:- انظر: مجاز القرآن 1/29-30، واللسان 2/1125.
[672]:- في ع2، ع3: والمعنى.