والضمير فى قوله - تعالى - : { لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة . . . } يرى بعضهم أنه يعود إلى المجرمين فى قوله { وَنَسُوقُ المجرمين . . . } .
أى : نسوق المجرمين إلى جهنم عطاشا ، حالة كونهم لا يملكون الشفاعة لغيرهم ، ولا يستحقون أن يشفع لهم غيرهم ، لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا وهم المؤمنون الصادقون فإنهم يملكون بتمليك الله - تعالى - لهم إياهان وإذنه لهم فيها ، كما قال - تعالى - :
{ مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ . . } وكما قال - سبحانه - : { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السماوات لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله لِمَن يَشَآءُ ويرضى } وعلى هذا التفسير يكون الاستثناء منقطعاً .
قال القرطبى : " قوله - تعالى - : { لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة } أى : هؤلاء الكفار لا يملكون الشفاعة لأحد { إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً } وهم المسلمون فيملكونها ، فهو استثناء الشىء من غير جنسه . أى : لكن من اتخذ عند الرحمن عهداً يشفع ، فمن فى موضع نصب على هذا . . . ويرى آخرون أن الضمير فى قوله : { لاَّ يَمْلِكُونَ . . . } يعود إلى فريقى المتقين والمجرمين .
أى : لا يملك أحد من الفريقين يوم القيامة الشفاعة لأحد ، ولا يملك غيرهم الشفاعة لهم ، { إِلاَّ مَنِ اتخذ } منهم { عِندَ الرحمن عَهْداً } وهم المؤمنون فإنهم يملكون بإذن الله لهم .
والمراد بالعهد الأمر والإذن ، يقال : عهد الأمير إلى فلان بكذا ، إذا أمره به . أو أذن له فى فعله .
وعلى هذا يكون الاستثناء متصلاً ، ويكون لفظ { مَنِ } بدل من الواو فى { يَمْلِكُونَ } .
قال الآلوسى ما ملخصه : " قوله { لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة } ضمير الجمع يعم المتقين والمجرمين ، أى : العباد مطلقاً . . . . وقوله { إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً } اسثناء متصل . . . . والمعنى : لا يملك العباد أن يشفعوا لغيرهم ، إلا من اتصف منهم بما يستأهل معه أن يشفع وهو المراد بالعهد . . . " .
ويبدو لنا أن هذا القول أولى ، لشموله وعمومه إذ الكلام السابق فى الفريقين جميعاً ، فريق المتقين وفريق المجرمين .
القول في تأويل قوله تعالى : { لاّ يَمْلِكُونَ الشّفَاعَةَ إِلاّ مَنِ اتّخَذَ عِندَ الرّحْمََنِ عَهْداً } .
يقول تعالى ذكره : لا يملك هؤلاء الكافرون بربهم يا محمد ، يوم يحشر الله المتقين إليه وفدا الشفاعة ، حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض عند الله ، فيشفع بعضهم لبعض إلاّ مَنِ اتّخَذَ منهم عِنْدَ الرّحْمَنِ في الدنيا عَهْدا بالإيمان به ، وتصديق رسوله ، والإقرار بما جاء به ، والعمل بما أمر به . كما :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا قال : العهد : شهادة أن لا إله إلا الله ، ويتبرأ إلى الله من الحول والقوّة ولا يرجو إلا الله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله : لا يَمْلِكُونَ الشّفاعةَ إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا قال : المؤمنون يومئذ بعضهم لبعض شفعاء إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا قال : عملاً صالحا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لا يَمْلِكُونَ الشّفاعَةَ إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا : أي بطاعته ، وقال في آية أخرى : لا تَنْفَعُ الشّفاعَةُ إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ وَرَضي لَهُ قَوْلاً ليعلموا أن الله يوم القيامة يشفع المؤمنين بعضهم في بعض ، ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «إنّ فِي أُمّتِي رَجُلاً لَيُدْخِلَنّ اللّهُ بِشَفاعَتِهِ الجَنّةَ أكْثَرَ مِنْ بني تمِيمِ » ، وكنّا نحدّث أن «الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي المليح ، عن عوف بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ شفَاعَتِي لِمَنْ ماتَ مِنْ أُمّتِي لا يُشْرِكُ باللّهِ شَيْئا » .
و «مَن » في قوله : إلاّ مَنْ في موضع نصب على الاستثناء ، ولا يكون خفضا بضمير اللام ، ولكن قد يكون نصبا في الكلام في غير هذا الموضع ، وذلك كقول القائل : أردت المرور اليوم إلا العدوّ ، فإني لا أمر به ، فيستثنى العدوُ من المعنى ، وليس ذلك كذلك في قوله : لا يَمْلِكُونَ الشّفاعَةَ إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا لأن معنى الكلام : لا يملك هؤلاء الكفار إلا من آمن بالله ، فالمؤمنون ليسوا من أعداد الكافرين ، ومن نصبه على أن معناه إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهدا ، فإنه ينبغي أن يجعل قوله لا يملكون الشفاعة للمتقين ، فيكون معنى الكلام حينئذ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ، لا يملكون الشفاعة ، إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا . فيكون معناه عند ذلك : إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهدا . فأما إذا جعل لا يملكون الشفاعة خبرا عن المجرمين ، فإن «من » تكون حينئذ نصبا على أنه استثناء منقطع ، فيكون معنى الكلام : لا يملكون الشفاعة ، لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا يملكه .
{ لا يملكون الشفاعة } الضمير فها للعباد المدلول عليها بذكر القسمين وهو الناصب لليوم . { إلا من اتخذ عند الرحمان عهدا } إلا من تحلى بما يستعد به ويستأهل أن يشفع للعصاة من الإيمان والعمل الصالح على ما وعد الله تعالى ، أو إلا من اتخذ من الله إذنا فيها كقوله تعالى : { لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمان } من قولهم : عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به ، ومحله الرفع على البدل من الضمير أو النصب على تقدير مضاف أي إلا شفاعة من اتخذ ، أو على الاستثناء . وقيل الضمير للمجرمين والمعنى : لا يملكون الشفاعة فيهم إلا من اتخذ عند الرحمان عهدا يستعد به أن يشفع له بالإسلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.