والدليل الرابع قوله - تعالى - : { واختلاف الليل والنهار . . . } والمراد باختلافهما : تفاوتهما طولا وقصرا ، وتعاقبهما دون أن يسبق أحدهما الآخر كما قال - تعالى - : { لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر وَلاَ الليل سَابِقُ النهار وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } وكون الليل والنهار يسيران على هذا النظام الدقيق المطرد الذى لا ينخرم ، دليل على أن هذا الاختلاف ، تدبر من إله قادر حكيم ، لا يدخل أفعاله تفاوت أو اختلال .
والدليل الخامس قوله - تعالى - : { وَمَآ أَنَزَلَ الله مِنَ السمآء مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا } .
وقوله : { وَمَآ أَنَزَلَ الله . . } معطوف على { اختلاف } ، والمراد من السماء : جهة العلو .
والمراد بالرزق : المطر الذى ينزل من السحاب ، وسمي رزقا ؛ لأن المطر سبب لأرزاق العباد .
أي : ومن الآيات الدالة على قدرته - سبحانه - : إنزاله المطر من السماء فينزل على الأرض ، فتهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج ، بعد أن كانت جدباء هامدة . وأما الدليل السادس فهو قوله - تعالى - : { وَتَصْرِيفِ الرياح } : والمراد بتصريفها : تقليبها فى الجهات المختلفة ، ونقلها من حال إلى حال ، وتوجيهها على حسب مشيئته - سبحانه - ، فتارة تراها حارة ، وتارة تراها باردة .
أي : ومن الآيات الدالة على وحدانيته وقدرته ، تقليبه - سبحانه - للرياح كما يشاء ويختار .
وفي ذلك الذي بيناه لكم { آيَاتٌ } واضحات على قدرتنا { لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } ذلك .
قال الجمل في حاشيته : وحاصل ما ذكر هنا من الدلائل ستة ، على ثلاث فواصل : الأولى { لِّلْمُؤْمِنِينَ } ، والثانية { يُوقِنُونَ } ، والثالثة ، { يَعْقِلُونَ } .
ووجه التغاير بينهما ، أن المنصف من نفسه إذا نظر في السماوات والأرض وأنه لا بد لهما من صانع آمن ، وإذا نظر فى خلق نفسه ونحوها ، ازداد إيمانا فأيقن ، وإذا نظر في سائر الحوادث عقل واستحكم علمه ، فاختلاف الفواصل الثلاث ، لاختلاف الآيات في الدقة والظهور .
وما ذكر في هذه الآيات الكريمة من أدلة ساطعة على قدرة الله ووحدانيته جاء في آيات كثيرة . ومن أجمعها قوله - تعالى - : { إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تَجْرِي فِي البحر بِمَا يَنفَعُ الناس وَمَآ أَنزَلَ الله مِنَ السمآء مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرياح والسحاب المسخر بَيْنَ السمآء والأرض لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاخْتِلاَفِ اللّيْلِ وَالنّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ اللّهُ مِنَ السّمَآءِ مّن رّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرّيَاحِ آيَاتٌ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } .
يقول تبارك وتعالى : وفي اخْتِلافِ اللّيْلِ والنّهارِ أيها الناس ، تعاقبهما عليكم ، هذا بظلمته وسواده وهذا بنوره وضيائه ، وَما أنْزَلَ اللّهُ مِنَ السّماءِ مِنْ رِزْقٍ وهو الغيث الذي به تخرج الأرض أرزاق العباد وأقواتهم ، وإحيائه الأرض بعد موتها : يقول : فأنبت ما أنزل من السماء من الغيْث ميت الأرض ، حتى اهتزّت بالنبات والزرع من بعد موتها ، يعني : من بعد جدوبها وقحوطها ومصيرها دائرة لا نبت فيها ولا زرع .
وقوله : وَتَصْرِيفِ الرّياحِ يقول : وفي تصريفه الرياح لكم شمالاً مرّة ، وجنوبا أخرى ، وصبا أحيانا ، ودبورا أخرى لمنافعكم .
وقد قيل : عنى بتصريفها بالرحمة مرّة ، وبالعذاب أخرى . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَتَصْرِيفِ الرّياحِ قال : تصريفها إن شاء جعلها رحمة وإن شاء جعلها عذابا .
وقوله : آياتٌ لِقَوْم يَعْقِلُونَ ، يقول تعالى ذكره : في ذلك أدلة وحجج لله على خلقه ، لقوم يعقلون عن الله حججه ، ويفهمون عنه ما وعظ به من الايات والعِبر .
{ واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق } من مطر وسماه رزقا ؛ لأنه سببه . { فأحيا به الأرض بعد موتها } يبسها . { وتصريف الرياح } باختلاف جهاتها وأحوالها ، وقرأ حمزة والكسائي " وتصريف الريح " . { آيات لقوم يعقلون } فيه القراءتان ويلزمهما العطف على عاملين في والابتداء ، أو أن إلا أن يضمر في أو ينصب { آيات } على الاختصاص ، أو يرفع بإضمار هي ، ولعل اختلاف الفواصل الثلاث لاختلاف الآيات في الدقة والظهور .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.