غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ} (27)

18

ولما شبه حال الفريقين بما شبه بين مآل حالهما فقال : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } أي الذي ثبت بالحجة والبرهان وتمكن في قلب صاحبه بحيث لم يكن للتشكيك فيه مجال . هذا في الحياة الدنيا فلا جرم إذا فتنوا في دينهم لم يزالوا كأصحاب الأخدود والذين نشروا بالمناشير ومشطت لحومهم بأمشاط الحديد ، وتثبيتهم في الآخرة أنهم إذا سئلوا في القبول لم يتلعثموا ، وإذا وقفوا بين يدي الجبار لم يبهتوا . عن ابن عباس : من دوام على الشهادة في الحياة الدنيا يثبته الله عليها في قبره ويلقنه إياها . وقد ورد في حديث سؤال القبر عن البراء بن عازب مثل ذلك . والسبب العقلي فيه أن المواظبة على الفعل توجب رسوخ الملكة بحيث لا تزول بتبدل الأحوال وتقلب الأطوار . وإنما فسرت الآخرة ههنا بالقبر لأن الميت ينقطع بالموت عن أحكام الدنيا ويدخل في أحكام الآخرة . فمعنى الآية يثبت الله الذين آمنوا بالله وبما يجب الإيمان به على ما آمنوا به في الدارين ، أو يثبتهم الله فيهما بسبب القول الثابت على القول الثابت . وقيل : معنى الآية يثبتهم الله على الثواب والكرامة سبب القول الثابت الذي كان يصدر عنهم حال ما كانوا في الحياة الدنيا ، وسيصدر عنهم حال ما يكونون في الآخرة . ويرد عليه أن الآخرة ليست دار عمل وإن كان قوله : { في الحياة الدنيا } متعلقاً بقوله : { ويثبت } أي ثبتهم على الثواب في الدارين بسبب القول ، ورد عليه أن الدنيا ليست دار ثواب ، ويمكن أن يناقش في هذا الإيراد لقوله سبحانه : { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة }

[ النحل : 97 ] { ويضل الله الظالمين } الذين وضعوا الباطل موضع الحق والشرك بدل التوحيد في الدارين ، فلا جرم إذا سئلوا في قبورهم قالوا لا ندري . { ويفعل الله ما يشاء } من التثبيت والإضلال . ولا اعتراض لأحد عليه أو من منح الألطاف ومنعها كما تقتضيه الحكمة .

/خ34