ثم إنه سبحانه أخبر أن هارون لم يأل نصحاً وإشفاقاً في شأن نفسه وفي شأن القوم قبل أن يقول لهم السامري ما قال ، أما شفقته على نفسه فهي أنه أدخلها في زمرة الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر ، أما الامتثال فإنه امتثل في نفسه وفي شأن القوم أمر أخيه حين قال لهم :{ يا قوم إنما فتنتم به } قال جار الله : كأنهم أول ما وقعت عليه أبصارهم حين طلع من الحفرة فتنوا به واستحسنوه فقبل أن ينطق السامري بادرهم هارون فزجرهم عن الباطل أولاً بأن هذا من جملة الفتن . ثم دعاهم إلى الحق بقوله { وإن ربكم الرحمان } ومن فوائد تخصيص هذا الاسم بالمقام أنهم إن تابوا عما عزموا عليه لإن الله يرحمهم ويقبل توبتهم . ثم بين أن الوسيلة إلى معرفة كيفية عبادة الله هو اتباع النبي وطاعته فقال { فاتبعوني وأطيعوا أمري } وهذا ترتيب في غاية الحسن . واعلم أن الشفقة على خلق الله أصل عظيم في الدين وقاعدة متينة . روى النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا هو جالس إذا نظر إلى شاب على باب المسجد فقال : من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه . فسمع الشاب ذلك فولى وقال : إلهي وسيدي هذا رسولك يشهد عليّ بأني من أهل النار وأنا أعلم أنه صادق ، فإذا كان الأمر كذلك فأسألك أن تجعلني فداء أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتشعل النار بي حتى يبر يمينه ولا تسفع النار أحداً . فهبط جبريل وقال : يا محمد بشر الشاب بأني قد أنقدته من النار بتصديقه لك وفداء أمتك بنفسه وشفقته على الخلق . قال أهل السنة ههنا : إن الشيعة تمسكوا بقوله صلى الله عليه وسلم " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " ثم إن هارون ما منعته التقية في مثل ذلك الجمع بل صعد المنبر وصرح بالحق ودعا الناس إلى متابعته ، فلو كانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الخطأ لكان يجب على عليّ كرم الله وجهه أن يفعل ما فعل هارون من غير تقية وخوف . وللشيعة أن يقولوا : إن هارون صرح بالحق وخاف فسكت ولهذا عاتبه موسى بما عاتب فاعتذر ب { إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني } [ الأعراف : 15 ] وهكذا علي رضي الله عنه امتنع أولاً من البيعة فلما آل الأمر إلى ما آل أعطاهم ما سألوا . وإنما قلت هذا على سبيل البحث لا لأجل التعصب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.