غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَقَدۡ قَالَ لَهُمۡ هَٰرُونُ مِن قَبۡلُ يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوٓاْ أَمۡرِي} (90)

77

ثم إنه سبحانه أخبر أن هارون لم يأل نصحاً وإشفاقاً في شأن نفسه وفي شأن القوم قبل أن يقول لهم السامري ما قال ، أما شفقته على نفسه فهي أنه أدخلها في زمرة الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر ، أما الامتثال فإنه امتثل في نفسه وفي شأن القوم أمر أخيه حين قال لهم :{ يا قوم إنما فتنتم به } قال جار الله : كأنهم أول ما وقعت عليه أبصارهم حين طلع من الحفرة فتنوا به واستحسنوه فقبل أن ينطق السامري بادرهم هارون فزجرهم عن الباطل أولاً بأن هذا من جملة الفتن . ثم دعاهم إلى الحق بقوله { وإن ربكم الرحمان } ومن فوائد تخصيص هذا الاسم بالمقام أنهم إن تابوا عما عزموا عليه لإن الله يرحمهم ويقبل توبتهم . ثم بين أن الوسيلة إلى معرفة كيفية عبادة الله هو اتباع النبي وطاعته فقال { فاتبعوني وأطيعوا أمري } وهذا ترتيب في غاية الحسن . واعلم أن الشفقة على خلق الله أصل عظيم في الدين وقاعدة متينة . روى النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا هو جالس إذا نظر إلى شاب على باب المسجد فقال : من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه . فسمع الشاب ذلك فولى وقال : إلهي وسيدي هذا رسولك يشهد عليّ بأني من أهل النار وأنا أعلم أنه صادق ، فإذا كان الأمر كذلك فأسألك أن تجعلني فداء أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتشعل النار بي حتى يبر يمينه ولا تسفع النار أحداً . فهبط جبريل وقال : يا محمد بشر الشاب بأني قد أنقدته من النار بتصديقه لك وفداء أمتك بنفسه وشفقته على الخلق . قال أهل السنة ههنا : إن الشيعة تمسكوا بقوله صلى الله عليه وسلم " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " ثم إن هارون ما منعته التقية في مثل ذلك الجمع بل صعد المنبر وصرح بالحق ودعا الناس إلى متابعته ، فلو كانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الخطأ لكان يجب على عليّ كرم الله وجهه أن يفعل ما فعل هارون من غير تقية وخوف . وللشيعة أن يقولوا : إن هارون صرح بالحق وخاف فسكت ولهذا عاتبه موسى بما عاتب فاعتذر ب { إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني } [ الأعراف : 15 ] وهكذا علي رضي الله عنه امتنع أولاً من البيعة فلما آل الأمر إلى ما آل أعطاهم ما سألوا . وإنما قلت هذا على سبيل البحث لا لأجل التعصب .

/خ114