إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَقَدۡ قَالَ لَهُمۡ هَٰرُونُ مِن قَبۡلُ يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوٓاْ أَمۡرِي} (90)

{ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هارون مِن قَبْلُ } جملةٌ قسميةٌ مؤكدة لما قبلها من الإنكار والتشنيع ببيان عُتوِّهم واستعصائِهم على الرسول إثرَ بيانِ مكابرتهم لقضية العقولِ ، أي وبالله لقد نصح لهم هارونُ ونبّههم على كُنه الأمرِ من قبل رجوعِ موسى عليه الصلاة والسلام إليهم وخطابِه إياهم بما ذكر من المقالات ، وقيل : من قبل قولِ السامري كأنه عليه السلام أو وما أبصره حين طلع من الحفيرة توهم منهم الافتتانَ به فسارع إلى تحذيرهم وقال لهم : { يا قوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ } أي أُوقِعتم في الفتنة بالعجل أو أُضللتم به على توجيه القصر المستفادِ من كلمة إنما إلى نفس الفعل بالقياس إلى مقابله الذي يدّعيه القومُ ، لا إلى قيده المذكورِ بالقياس إلى قيد آخرَ على معنى إنما فُعل بكم للفتنةُ لا الإرشادُ إلى الحق ، لا على معنى إنما فتنتم بالعجل لا بغيره وقوله تعالى : { وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن } بكسر إن عطفاً على إنما ، إرشادٌ لهم إلى الحق إثرَ زجرهم عن الباطل ، والتعرّضُ لعنوان الربوبيةِ والرحمة للاعتناء باستمالتهم إلى الحق كما أن التعرضَ لوصف العجل للاهتمام بالزجر عن الباطل ، أي إن ربكم المستحقَّ للعبادة هو الرحمن لا غيرُ ، والفاء في قوله تعالى : { فاتبعوني } لترتيب ما بعدها على ما قبلها من مضمون الجملتين ، أي إذا كان الأمرُ كذلك فاتبعوني في الثبات على الدين { وَأَطِيعُواْ أَمْرِي } هذا واترُكوا عبادةَ ما عرفتم شأنه .