غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ يَبۡصُرُواْ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةٗ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِي نَفۡسِي} (96)

{ قال } أي { السامري { بصرت بما لم يبصروا به } قال ابن عباس ورواه أبو عبيدة : علمت بما لم يعلموا به من البصارة . يعني العلم . وقال الآخرون : رأيت بما لم تروه فالباء للتعدية ، رجح العلماء قراءة الغيبة على الخطاب احترازاً من نسبة عدم البصارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم . والقبضة بالفتح مصدر بمعنى المفعول وهو المقبوض بجميع الكف . عامة المفسرين على أن المراد بالرسول جبريل عليه السالم وأثره التراب الذي أخذه من موقع حافر دابته واسمها حيزوم فرس الحياة . ومتى رآه ؟ الأكثرون على أنه رآه يوم فلق البحر كان جبريل على الرمكة وفرعون على حصان وكان لا يدخل البحر ، فتقدم جبريل فتبعه فرس فرعون . وعن علي رضي الله عنه أن جبريل لما نزل ليذهب بموسى إلى الطور أبصره السامري من بين الناس وكان راكب حيزوم فقال : إن لهذا شأناً فقبض من تربة موطئه . فمعنى الآية فقبضت من أثر فرس المرسل إليك يوم حلول الميعاد . ثم من المفسرين من جوز أن السامري لم يعرف أنه جبريل ومنهم من قال : إنه عرفه . عن ابن عباس : إنما عرفه لأنه رباه في صغره وحفظه من القتل حين أمر فرعون بقتل أولاد بني إسرائيل . فكانت المرأة تلد وتطرح ولدها حيث لا يشعر به آل فرعون فتأخذ الملائكة الولدان فيربونهم حتى يترعرعوا ويختلطوا بالناس . فكان السامري أخذه جبريل وجعل كف نفسه في فيه وارتضع منه العسل واللبن فلم يزل يختلف إليه حتى عرفه . وقال أبو مسلم : إطلاق الرسول على جبريل في المقام من غير قرينة تكليف بعلم الغيب . وأيضاً تخصيص السامري من بين الناس برؤية جبريل وبمعرفة خاصية تراب حافر دابته لا يخلو عن تعسف ، ولو جاز اطلاع بعض الكفرة على تراب هذا شأنه فلقائل أن يقول : لعل موسى اطلع على شيء آخر لأجله قدره على الخوارق . فالأولى أن يراد بالرسول موسى فقد يواجه الحاضر بلفظ الغائب كما يقال : ما قول الأمير في كذا ؟ ويكون إطلاق الرسول منه على موسى نوعاً من التهكم لأنه كان كافراً به مكذباً . وأراد بأثره سنته ورسمه من قولهم " فلان يقفو أثر فلان " أي عرفت أن الذي عليه ليس بحق وقد كنت قبضت شيئاً من سنتك فطرحتها . فعلى قول العامة يكون قوله : { وكذلك سوّلت لي نفسي } إشارة إلى ما أوحي إليه وليه الشيطان أن تلك التربة إذا نبذت على الجماد صار حيواناً . وعلى قول أبي مسلم يشير إلى أن اتباع أثرك كان من تسويلات النفس الأمارة فلذلك تركته .

/خ114