اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ قَالَ لَهُمۡ هَٰرُونُ مِن قَبۡلُ يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوٓاْ أَمۡرِي} (90)

فصل{[26290]}

قوله{[26291]} : { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ } إنما قال{[26292]} ذلك شفقة منه على نفسه وعلى الخلق ، أما شفقته على نفسه ، فلأنه كان مأموراً من عند الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكان مأموراً من عند أخيه موسى -عليه السلام{[26293]}- { اخلفني فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين }{[26294]} ، فلو كان يشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عنى المنكر كان مخالفاً لأمر الله ولأمر موسى وذلك لا يجوز . وأما الشفقة على الخلق فلأن الإنسان يجب أن يكون مشفقاً على خلق الله خصوصاً على أبناء جنسه ، وأي شفقة أعظم من أن يرى جَمعاً يتهافتون على النار فيمنعهم{[26295]} منها . ولمَّا ثبت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشفقة على المسلمين واجب ، ثم إن هارون -عليه السلام{[26296]}- رأى القوم متهافتين على النار فيمنعهم منها . ولمَّا ثبت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشفقة على المسلمين واجب ، ثم إن هارون -عليه السلام- رأى القوم متهافتين على النار فلم يبال بكثرتهم بل صرح بالحق فقال : { يا قوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ } .

( واعلم أن هارون عليه السلام سَلَكَ في هذا الوعط أحسن الوجوه ، لأنه زجرهم عن الباطل أولاً بقوله : { إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ } ، ثم دعاهم إلى معرفة الله ثانياً بقوله : { وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن }{[26297]} ) ثم دعا إلى ثالثاً إلى النبوة{[26298]} بقوله : { فَاتَّبِعُونِي } ثم دعاهم رابعاً بقوله { وَأَطِيعُوا أَمْرِي } .

وهذا هو{[26299]} الترتيب الجيد ، لأنه لا بد قبل كل شيء من إماطة الأذى عن الطريق ، وهو{[26300]} إزالة الشبهات ، ثم معرفة الله تعالى{[26301]} ، فإنها هي الأصل ، ثم النبوة ، ثم الشريعة ، فثبت أن هذا الترتيب أحسن الوجوه . وإنما قال : { وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن } فخص هذا الموضع باسم الرحمن ، تنبيهاً على أنهم متى تابوا قَبِلَ الله توبتهم ، لأنه هو الرحمن ، ومن رحمته أن خلصهم من آفات فرعون ، ثم إنهم لجهلهم قابلوا هذا الترتيب الحسن في{[26302]} الاستدلال بالتقليد{[26303]} فقالوا : { لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حتى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى } كأنهم قالوا : لا نقبل حجتك ولكن{[26304]} نقبل قول موسى ، وهذه عادة المقَلِّدِ{[26305]} .

قوله : { إِنَّمَا فُتِنتُمْ } .

قرأ العامة : { إِنَّمَا فُتِنتُمْ } { وإن{[26306]} ربكم الرحمن } بالكسر فيهما{[26307]} ، لأنها بعد القول لا بمعنى الظن{[26308]} وقرأت فرقة بفتحهما{[26309]} ، وخُرِّجت على لغة سُلَيْم ، وهي أنهم يفتحون " أنَّ " بعد القول مطلقاً{[26310]} .

وقرأ أبو عمرو في رواية الحسن وعيسى بن عمر بفتح " أنَّ ربَّكُمْ " فقط{[26311]} ، وخرجت على وجهين :

أحدهما : أنها وما بعدها في تأويل{[26312]} مصدر في محل رفع خبراً لمبتدأ محذوف تقديره : والأمر أنَّ رَبَّكُم الرَّحْمنُ{[26313]} ، فهو من عطف الجمل لا من عطف المفردات{[26314]} .

والثاني : أنها مجرورة مقدر ، أي : لأنَّ رَبَّكُم الرَّحْمنُ .

" فَاتَّبِعُونِي " وقد تقدم القول في نظير ذلك بالنسبة إلى هذه الفاء .


[26290]:فصل: سقط من ب.
[26291]:قوله: سقط من الأصل.
[26292]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/105 – 107.
[26293]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[26294]:[الأعراف: 142].
[26295]:في ب: فمنعهم.
[26296]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[26297]:ما بين القوسين سقط من ب.
[26298]:في ب: ثم دعاهم ثالثا فقال.
[26299]:هو: سقط من ب.
[26300]:في ب: وهي.
[26301]:تعالى: سقط من ب.
[26302]:في ب: مكرر في الأصل.
[26303]:في ب: بالاستدلال في التقليد. وهو تحريف.
[26304]:في ب: ولن. وهو تحريف.
[26305]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/105 -107.
[26306]:إن: سقط من ب.
[26307]:انظر البحر المحيط 6/272.
[26308]:فيجب كسر "إن" إذا وقعت محكية بالقول، أما إن أجري القول مجرى الظن فإنه يجب الفتح نحو: أتقول أن زيدا عاقل؟ شرح الأشموني 1/275.
[26309]:في ب: بفتحها.
[26310]:انظر البحر المحيط 6/272.
[26311]:المختصر (89)، البحر المحيط 6/172.
[26312]:في ب: بتأويل.
[26313]:انظر البحر المحيط 6/272.
[26314]:وهو تقدير أبي حاتم. انظر البحر المحيط 6/272.