فصل{[26290]}
قوله{[26291]} : { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ } إنما قال{[26292]} ذلك شفقة منه على نفسه وعلى الخلق ، أما شفقته على نفسه ، فلأنه كان مأموراً من عند الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكان مأموراً من عند أخيه موسى -عليه السلام{[26293]}- { اخلفني فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين }{[26294]} ، فلو كان يشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عنى المنكر كان مخالفاً لأمر الله ولأمر موسى وذلك لا يجوز . وأما الشفقة على الخلق فلأن الإنسان يجب أن يكون مشفقاً على خلق الله خصوصاً على أبناء جنسه ، وأي شفقة أعظم من أن يرى جَمعاً يتهافتون على النار فيمنعهم{[26295]} منها . ولمَّا ثبت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشفقة على المسلمين واجب ، ثم إن هارون -عليه السلام{[26296]}- رأى القوم متهافتين على النار فيمنعهم منها . ولمَّا ثبت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشفقة على المسلمين واجب ، ثم إن هارون -عليه السلام- رأى القوم متهافتين على النار فلم يبال بكثرتهم بل صرح بالحق فقال : { يا قوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ } .
( واعلم أن هارون عليه السلام سَلَكَ في هذا الوعط أحسن الوجوه ، لأنه زجرهم عن الباطل أولاً بقوله : { إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ } ، ثم دعاهم إلى معرفة الله ثانياً بقوله : { وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن }{[26297]} ) ثم دعا إلى ثالثاً إلى النبوة{[26298]} بقوله : { فَاتَّبِعُونِي } ثم دعاهم رابعاً بقوله { وَأَطِيعُوا أَمْرِي } .
وهذا هو{[26299]} الترتيب الجيد ، لأنه لا بد قبل كل شيء من إماطة الأذى عن الطريق ، وهو{[26300]} إزالة الشبهات ، ثم معرفة الله تعالى{[26301]} ، فإنها هي الأصل ، ثم النبوة ، ثم الشريعة ، فثبت أن هذا الترتيب أحسن الوجوه . وإنما قال : { وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن } فخص هذا الموضع باسم الرحمن ، تنبيهاً على أنهم متى تابوا قَبِلَ الله توبتهم ، لأنه هو الرحمن ، ومن رحمته أن خلصهم من آفات فرعون ، ثم إنهم لجهلهم قابلوا هذا الترتيب الحسن في{[26302]} الاستدلال بالتقليد{[26303]} فقالوا : { لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حتى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى } كأنهم قالوا : لا نقبل حجتك ولكن{[26304]} نقبل قول موسى ، وهذه عادة المقَلِّدِ{[26305]} .
قوله : { إِنَّمَا فُتِنتُمْ } .
قرأ العامة : { إِنَّمَا فُتِنتُمْ } { وإن{[26306]} ربكم الرحمن } بالكسر فيهما{[26307]} ، لأنها بعد القول لا بمعنى الظن{[26308]} وقرأت فرقة بفتحهما{[26309]} ، وخُرِّجت على لغة سُلَيْم ، وهي أنهم يفتحون " أنَّ " بعد القول مطلقاً{[26310]} .
وقرأ أبو عمرو في رواية الحسن وعيسى بن عمر بفتح " أنَّ ربَّكُمْ " فقط{[26311]} ، وخرجت على وجهين :
أحدهما : أنها وما بعدها في تأويل{[26312]} مصدر في محل رفع خبراً لمبتدأ محذوف تقديره : والأمر أنَّ رَبَّكُم الرَّحْمنُ{[26313]} ، فهو من عطف الجمل لا من عطف المفردات{[26314]} .
والثاني : أنها مجرورة مقدر ، أي : لأنَّ رَبَّكُم الرَّحْمنُ .
" فَاتَّبِعُونِي " وقد تقدم القول في نظير ذلك بالنسبة إلى هذه الفاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.