غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضٗا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يُصۡلِحَا بَيۡنَهُمَا صُلۡحٗاۚ وَٱلصُّلۡحُ خَيۡرٞۗ وَأُحۡضِرَتِ ٱلۡأَنفُسُ ٱلشُّحَّۚ وَإِن تُحۡسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (128)

127

قوله { وإن امرأة خافت } ارتفاع { امرأة } بفعل يفسره خافت أي علمت . وقيل : ظنت والظاهر أنه على معناه الأصلي إلا أن الخوف لا يحصل إلا عند ظهور العلامات الدالة على وقوع المخوف كأن يقول الرجل لامرأته : إنك دميمة أو مسنة وإني أريد أن أتزوج شابة جميلة ، والبعل الزوج ، والنشوز يكون من الزوجين وهو كراهة كل منهما صاحبه ويتبع نشوز الرجل أن يعرض عنها ويقبح وجهها ويترك مجامعتها ويسيء عشرتها . عن عائشة أنها نزلت في المرأة تكون عند الرجل ويريد الرجل أن يستبدل بها غيرها فتقول : أمسكني وتزوج بغيري وأنت في حل من النفقة والقسم كما فعلت سودة بنت زمعة حين كرهت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت مكان عائشة من قلبه فوهبت لها يومها . ومعنى الصلح وهو مصدر من غير لفظ الفعل مثل { والله أنبتكم من الأرض نباتاً }[ نوح :17 ] { أن يصالحا } على أن تطيب المرأة له نفساً عن القسمة أو عن بعضها أو عن المهر والنفقة فإن هذه الأمور هي التي تقدر المرأة على طلبها من الزوج شاء أم أبى . أما الوطء فليس كذلك لأن الزوج لا يجبر على الوطء . { والصلح خير } من الفرقة أو من النشوز والإعراض فاللام للعهد ، أو هو خير من الخصومة في كل شيء فاللام للاستغراق وبه تمسك أصحاب أبي حنيفة في جواز الصلح على الإنكار ، أو الصلح خير من الخيرات كما أن الخصومة شر من الشرور ، والجملة معترضة ، وكذا قوله : { وأحضرت الأنفس الشح } إلا أنه اعتراض مؤكد للمطلوب محصل للمقصود . والشح البخل مع حرص ، وأرض شحاح لا تسيل إلا من مطر كثير . جعل الشح كالأمر الحاضر للنفوس لأنها جلبت على ذلك . ثم يحتمل أن يكون هذا تعريضاً بالمرأة أنها تشح ببذل نصيبها أو حقها ، أو بالزوج أنه يشح بأنه ينقضي عمره معها مع دمامتها وكبر سنها وعدم الالتذاذ بصحبتها . واعلم أنه رخص أولاً في الصلح بقوله : { فلا جناح عليهما } وغايته ارتفاع الإثم ، ثم بين أنه كما لا جناح فيه فكذلك فيه خير كثير .

ثم حث على الإحسان والتقوى وحسم مادة الخصومة رأساً فقال : { وإن تحسنوا } أي بالإقامة على نسائكم { وإن كرهتموهن } وأحببتم غيرهن وتتقوا النشوز والإعراض وما يؤدي إلى الأذى والخصومة المحوجة إلى الصلح { فإن الله كان بما تعملون } من الإحسان والتقوى { خبيراً } فيثيبكم على ذلك . وعلى هذا فالخطاب للأزواج ، وقيل : الخطاب للزوجين أن يحسن كل منهما إلى صاحبه ويحترز عن الظلم . وقيل : لغيرهما أن يحسنوا في المصالحة بينهما ويتقوا الميل إلى واحد منهما . يحكى أن عمران بن حطان الخارجي كان من أدمّ بني آدم وامرأته من أجملهم .

فأجالت يوماً نظرها في وجهه ثم قالت : الحمد لله . فقال : مالك ؟ فقالت : حمدت الله على إني وإياك من أهل الجنة . لأنك رزقت مثلي فشكرت ، ورزقت مثلك فصبرت ، والشاكر والصابر من أهل الجنة .

/خ141