غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَۚ إِن يَكُنۡ غَنِيًّا أَوۡ فَقِيرٗا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلۡهَوَىٰٓ أَن تَعۡدِلُواْۚ وَإِن تَلۡوُۥٓاْ أَوۡ تُعۡرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (135)

127

ثم بيّن أنّ كمال سعادة الإنسان في أن يكون قوله لله وفعله لله وحركته لله وسكونه لله فقال : { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط } مجتهدين في اختيار العدل محترزين عن ارتكاب الميل { شهداء لله } لوجهه ولأجل مرضاته كما أمرتم بإقامتها ولو كانت تلك الشهادة وبالاً على أنفسكم ، أو الوالدين والأقربين بأن يتوقع ضرره من سلطان ظالم أو غيره . وفي كلام الحكماء : " إذا كان الكذب ينجي فالصدق أنجى " . أو المراد الإقرار على نفسه لأنه في معنى الشهادة عليها بإلزام الحق لها وأن يقول : أشهد أنّ لفلان على والدي كذا أو على أقاربي كذا . وإنما قدم الأمر بالقيام بالقسط على الأمر بالشهادة لله عكس قوله :{ شهد الله أنه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط }[ آل عمران :18 ] لأنّ شهادة الله تعالى عبارة عن كونه خالقاً للمخلوقات ، وقيامه بالقسط عبارة عن رعاية قوانين العدل في تلك المخلوقات ، والأول مقدم على الثاني .

وأما في حق العباد فالعدالة مقدمة على الشهادة تقدم الشرط على المشروط فاعلم . { إن يكن } المشهود عليه { غنياً أو فقيراً } فلا تكتموا الشهادة طلباً لرضا الغني أو ترحماً على الفقير { فالله أولى } بأمورهما ومصالحهما . وكان حق النسق أن لو قيل فالله أولى به أي بأحد هذين إلاّ أنه ثنى الضمير ليعود إلى الجنسين كأنه قيل : فالله أولى بجنسي الفقير والغني أي بالأغنياء والفقراء يريد بالنظر لهما وإرادة مصلحتهما ولولا أنّ الشهادة عليهما مصلحة لهما لما شرعها . قال السدي : اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم غني وفقر وكان ميله إلى الفقير رأى أنّ الفقير لا يظلم الغني فأبى الله إلاّ أن يقوم بالقسط في الغني والفقير وأنزل الآية . وقوله : { أن تعدلوا } يحتمل أن يكون من العدل أو من العدول فكأنه قيل : فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا بين الناس ، أو إرادة أن تعدلوا عن الحق . واحتمال آخر وهو أن يراد اتركوا الهوى لأجل أن تعدلوا أي حتى تتصفوا بصفة العدالة لأنّ العدل عبارة عن ترك متابعة الهوى ، ومن ترك أحد النقيضين فقد حصل له الآخر . { وأن تلووا } بواوين من لوى يلوي إذا فتل ، وبواو واحدة من الولاية . والمعنى وإن تلووا ألسنتكم عن شهادة الحق وحكومة العدل { أو تعرضوا } عن الشهادة بما عندكم أو إن وليتم إقامة الشهادة أو تركتموها .

/خ141