[ 15 ] { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا 15 } .
وقوله تعالى : { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه } قال أبو السعود : فذلك لما تقدم من بيان كون القرآن هاديا لأقوم الطرائق ، ولزوم الأعمال لأصحابها . أي من اهتدى بهدايته ، وعمل بما فيه تضاعيفه من الأحكام ، وانتهى عما نهاه عنه ، فإنما تعود منفعة اهتدائه إلى نفسه لا تتخطاه إلى غيره مما لا يهتدي { ومن ضل } أي عن الطريقة التي يهديه إليها { فإنما يضل عليها } أي وبال ضلاله عليها ، لا على من عداه ممن لم يباشره . فقوله : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } مؤكد لما قبله للاهتمام به .
قال أبو السعود : أي لا تحمل نفس حاملة للوزر ، وزر نفس أخرى ، حتى يمكن تخلص النفس الثانية عن وزرها . ويختل ما بين العامل وعمله من التلازم . بل إنما تحمل كل منهما وزرها . وهذا تحقيق لمعنى قوله عز وجل : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } وأما ما يدل عليه قوله تعالى{[5382]} : { من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ، ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها } . وقوله تعالى{[5383]} : { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم } من حمل الغير وزر الغير ، وانتفاعه بحسنته ، وتضرره بسيئته ، فهو في الحقيقة انتفاع بحسنة نفسه ، وتضرر بسيئته . فإن جزاء الحسنة والسيئة اللتين يعملهما العامل لازم له . وإنما الذي يصل إلى من يشفع ، لا جزاء شفاعته ، لا جزاء / أصل الحسنة والسيئة . وكذلك جزاء الضلال مقصور على الضالين . وما يحمله المضلون ، إنما هو جزاء الإضلال لا جزاء الضلال .
وإنما خص التأكيد بالجملة الثانية قطعا للأطماع الفارغة ، حيث كانوا يزعمون أنهم إن لم يكونوا على الحق ، فالتبعة على أسلافهم الذين قلدوهم . انتهى .
وقوله تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } بيان للعناية الربانية ، إثر بيان اختصاص آثار الهداية والضلال بأصحابها ، وعدم حرمان المهتدي من ثمرات هدايته ، وعدم مؤاخذة النفس بجناية غيرها . أي : وما صح وما استقام منا ، بل استحال في سنّتنا المبنية على الحكم البالغة ، أن نعذب قوما حتى نبعث رسولا يهديهم إلى الحق ، ويردعهم عن الضلال ، لإقامة الحجة وقطعا للعذر . والعذاب أهم من الدنيوي والأخروي ، لقوله تعالى{[5384]} : { ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى } . وقال تعالى{[5385]} : { كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير } وكذا قوله{[5386]} : { وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا ، حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا ، قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين } وقال تعالى{[5387]} : { وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ، أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ، فذوقوا فما للظالمين من نصير } إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى لا يعذب قوما عذاب استئصال ، ولا يدخل أحدا النار إلا بعد إرسال الرسل . قال قتادة : / " إن الله تعالى لا يعذب أحدا حتى يتقدم إليه بخبر أو بينة . ولا يعذب أحدا إلا بذنبه " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.