محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا} (11)

[ 11 ] { ويدع الإنسان بالشر دعاء بالخير وكان الإنسان عجولا 11 } .

{ ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير } أي مثل دعائه بالخير { وكان الإنسان عجولا } قال أبو السعود : الآية بيان لحال المهدي إثر بيان حال الهادي . وإظهار لما بينهما من التباين . والمراد بالإنسان الجنس ، أسند إليه حال بعض أفراده . أو حكى عنه حاله في بعض أحيانه . فالمعنى ، على الأول : أن القرآن يدعو الإنسان إلى الخير الذي لا خير فوقه من الأجر الكبير . ويحذره من الشر الذي لا شر وراءه من العذاب الأليم ، وهو أي بعض منه وهو الكافر يدعو لنفسه بما هو الشر من العذاب المذكور ، إما بلسانه حقيقة كدأب من قال{[5377]} : { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } ومن قال{[5378]} : { فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين } إلى غير ذلك مما حكي عنهم وإما بأعمالهم السيئة المفضية إليه ، الموجبة له مجازا ، كما هو ديدن كلهم . وقوله : { وكان الإنسان عجولا } يعني بالإنسان من أسند إليه الدعاء المذكور من أفراده . عجولا يسارع إلى طلب ما يخطر بباله ، متعاميا عن ضرره . أو مبالغا في العجلة يستعمل العذاب وهو آتيه لا محالة . ففيه نوع تهكم به . وعلى تقدير حمل الدعاء على أعمالهم ، تحمل العجولية على اللج والتمادي في استيجاب العذاب بتلك الأعمال .

وعلى الثاني : أن القرآن يدعو الإنسان إلى ما هو خير . وهو في بعض أحيانه ، كما عند الغضب ، يدعه ويدعو الله تعالى لنفسه وأهله وماله بما هو شر . وكان الإنسان بحسب جبلته عجولا ضجرا لا يتأنى إلى أن يزول عنه ما يعتريه . أو يدعو بما هو شر وهو يحسبه خيرا . وكان / الإنسان عجولا غير متبصر لا يتدبر في أموره حق التدبر ليتحقق ما هو خير حقيق بالدعاء به ، وما هو شر جدير بالاستعاذة منه . انتهى .


[5377]:[8 / الأنفال / 32].
[5378]:[7 / الأعراف / 70].