محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَٱلۡبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗاۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَشۡكُرُونَ} (58)

[ 58 ] { والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون ( 58 ) } .

{ والبلد الطيب } أي : الأرض الكريمة التربة { يخرج نباته بإذن ربه } أي يخرج نباته وافيا حسنا غزير النفع بمشيئته وتيسيره { والذي خبث } أي كالحرة ، وهي الأرض ذات الحجارة السود . وكالسبخة ( بكسر الباء ) وهي الأرض ذات الملح { لا يخرج } أي : نباته { إلا نكدا } أي : قليلا ، عديم النفع . يقال : عطاء نكد ، أي قليل لا خير فيه ، كذا رجل نكد . قال{[4053]} :

فأعط ما أعطيته طيبا*** لا خير في المنكود والناكد

وقال :

لا تنجز الوعد إن وعدت وإن *** أعطيت ، أعطيت تافها نكدا

تنبيه :

قال ابن عباس في الآية : " هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر " .

وقال قتادة : المؤمن سمع كتاب الله فوعاه بعقله ، وانتفع به . كالأرض الطيبة أصابها الغيث ، فأنبتت . والكافر بخلاف ذلك . وهذا كما في ( الصحيحين ) {[4054]} عن أبي موسى قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير ، أصاب/ أرضا ، فكانت منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبث كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فَعَلِمَ وعَلَّمَ ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " .

لطيفة :

قال أبو البقاء : يقرأ { يخرج نباته } بفتح الياء وضم الراء ورفع النبات ويقرأ كذلك إلا أنه بضم الياء ، على ما لم يسم فاعله . ويقرأ بضم الياء وكسر الراء ونصب النبات أي : فيخرج الله أو الماء . ثم قال : ويقرأ { نكدا } بفتح النون وكسر الكاف ، وهو حال ، ويقرأ بفتحهما على أنه مصدر أي : ذا نكد . وقرأ بفتح النون وسكون الكاف وهو مصدر أيضا ، وهو لغة ويقرأ يخرج بضم الياء وكسر الراء ، ونكدا مفعوله .

{ كذلك نصَرِّف الآيات } أي : نبين وجوه الحجج ونرددها ونكررها { لقوم يشكرون } يعني كما ضربنا هذا المثل ، كذلك نبين الآيات الدالة على التوحيد والإيمان آية بعد آية ، وحجة بعد حجة ، لقوم يشكرون الله تعالى على إنعامه عليهم بالهداية ، وأن جنَّبهم سبيل الضلالة . وإنما خص الشاكرين بالذكر لأنهم الذين انتفعوا بسماع القرآن .


[4053]:- قال في اللسان: والنكد والنكدة قلة العطاء، وأن لا يهنأه من يعطاه. وأنشد البيت.
[4054]:- أخرجه البخاري في: 3- كتاب العلم، 20- باب فضل من عَلِمَ وعلّم، حديث 68. وأخرجه مسلم في: 43- كتاب الفضائل، حديث 15 (طبعتنا).