محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{لَمۡ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

98- سورة البينة

ويقال : سورة القيمة ، وسورة المنفكين ، وسورة البرية ، وعدد آياتها ثمان ، وهي مدنية على الأصح . روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب : إن الله أمرني أن أقرأ عليك { لم يكن الذين كفروا } قال : وسماني لك ؟ قال : نعم ، فبكى " ورواه البخاري ومسلم{[1]} ، وفي رواية الإمام أحمد{[2]} عن أبي حبة البدري قال : " لما نزلت { لم يكن الذين كفروا } قال جبريل : يا رسول الله إن ربك يأمرك أن تقرئها أبيا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة . قال أبي : وقد ذكرت ثم يا رسول الله ؟ قال : نعم . قال : فبكى أبي " .

{ لم يكن الذين كفروا } أي جحدوا نبوة النبي صلوات الله عليه بعنادهم بعد ما تبينوا الحق منها { من أهل الكتاب } أي اليهود والنصارى الذين عرفوه وسمعوا أدلته وشاهدوا آياته ، لم يكونوا هم { والمشركين } أي وثنيي العرب { منفكين } أي عن غفلتهم وجهلهم بالحق ، ووقوفهم عندما قلدوا فيه أباءهم ، لا يعرفون من الحق شيئا { حتى تأتيهم البينة } أي الحجة القاطعة المثبتة للمدعي ، وهي هنا النبي صلى الله عليه وسلم ، فمجيئه هو الذي أحدث هذه الرجة فيما رسخ من عقائدهم ، وتمكن من عوائدهم ، حتى أخذوا يحتجون لعنادهم ومناكرتهم بأنه كان شيئا معروفا لهم ، يصلون إليه بما كان لديهم ، ولكنه ليس بمستحق أن يتبع ، فإن ما هم فيه من أجمل وأبدع ، ومتابعة الآباء فيه أشهى إلى النفوس وأمته تلك البينة التي تعرفهم وجه الحق هي { رسول من الله } .


[1]:(4 النساء 15 و 16).
[2]:(24 النور 2).