محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٖ} (4)

{ تنزل الملائكة والروح فيها } يخبر جل شأنه أن أول عهد للنبي صلى الله عليه وسلم بشهود الملائكة ، كان في تلك الليلة تنزلت من عالمها الروحاني الذي لا يحده حد ، ولا يحيط به مقدار ، حتى تمثلت لبصره صلى الله عليه وسلم ، والروح هو الذي يتمثل له مبلغا للوحي ، وهو الذي سمي في القرآن بجبريل ، وإنما تظهر الملائكة والروح { بإذن ربهم } أي إنما تتجلى الملائكة على النفس الكاملة بعد أن هيأها الله لقبول تجليها ، وليست تتجلى الملائكة لجميع النفوس كما هو معلوم ، فذلك فضل الله يختص به من يشاء ، واختصاصه هو إذنه ومشيئته ، ثم إن هذا الإذن مبدؤه الأوامر والأحكام ؛ لأن الله يجلي الملائكة والروح على النفوس لإيحاء ما يريده منها ، ولهذا قال { من كل أمر } أي إن الله يظهر الملائكة والروح لرسله عند كل أمر يريد إبلاغه إلى عباده ، فيكون الإذن مبتدئا من الأمر على هذا المعنى ، والأمر ههنا هو الأمر في قوله{[7523]} { فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين } فالكلام في الرسالة والأوامر والأحكام لا في شيء آخر سواها ، ولهذا قال بعضهم : إن ( من ) ههنا بمعنى الباء ، أي بكل أمر ، ولا حاجة إليه لما قلنا ، وإنما عبر بالمضارع في قوله { تنزل الملائكة } وقوله { فيها يفرق كل أمر حكيم } مع أن المعنى ماض لأن الحديث عن مبدأ نزول القرآن لوجهين : الأول لاستحضار الماضي لعظمته على نحو ما في قوله {[7524]} { وزلزلوا حتى يقول الرسول } فإن المضارع بعد الماضي يزيد الأمر تصويرا ، والثاني لأن مبدأ النزول كان فيها ولكن بقية الكتاب وما فيه من تفصيل الأوامر والأحكام كان فيما بعد ، فكأنه يشير إلى أن ما ابتدأ فيها يستمر في مستقبل الزمان حتى يكمل الدين .


[7523]:44 / الدخان /4و5.
[7524]:2 / البقرة / 214.