تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (53)

الآفاق : جمع أفق بضم الفاء وإسكانها . والأفق : الناحية ومنتهَى ما تراه العين من الأرض .

سنري هؤلاء المشركين دلائلنا على صِدقك ، وأنّه وعدُ الله لعباده جميعا ، وذلك بأن نطلعهم على شيء من خفايا هذا الكون ومن خفايا أنفسهم على السواء . فقد كشف العلم عن أمور كثيرة عن الأرض وما عليها ، وعن النظام الشمسي وما فيه ، وأن هذه الأرض وما حولها ما هي إلا ذرة صغيرة تابعة للشمس ، التي هي وما حولها ذرة صغيرة تسبح في هذا الكون الفسيح ، وعرف الناس عن الجسم البشري وتركيبه وخصائصه وأسراره الشيء الكثير ، وأن كل هذه المعلومات والاكتشافات ما هي إلا ذرة من علم الله . { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 85 ] .

وكذلك سنري هؤلاء المشركين وقائعنا بالبلاد والفتوحات التي تمت على يدي الرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه ، وعلى يدي خلفائه وأصحابه الكرام { حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق } وأن كل ما جاء به الرسول الكريم هو الحق .

{ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }

كفى بالله شهيدا على أفعال عباده وأقوالهم ، وعلى صدق محمد فيما أخبر به عنه . . ألم تكفِهم هذه الدلائل الكثيرة التي أوضحَها سبحانه في هذه السورة وفي كل القرآن ، وفيها البيان الكافي لإثبات وحدانيته ، وتنزيهه عن كل نقص ! !

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (53)

قوله : { سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ } { الآفاق } ، جمع أفق وهو الناحية{[4076]} يعني سنري الناس دلائل وحدانيتنا وقدرتنا المطلقة في آفاق السماء وسائر نواحي الأرض وأطرافها ، أما الآيات في آفاق السماء فهي العلامات الفلكية من الكواكب والنجوم والليل والنهار والبرق والرعد والأضواء والظلمات ، وكذلك الآيات في مناحي الأرض من البحار والأنهار والأشجار والأمطار والصواعق والسهول والجبال والأودية والوهاد والصحاري ، وغير ذلك من الدلائل والآيات التي تقرع الحس وتدير الرأس فينقلب مبهوتا مذهولا ، قوله : { وَفِي أَنْفُسِهِمْ } وفي نفس الإنسان آيات مذهلة ومثيرة وعجاب ، وهي كثيرة وكبيرة ومختلفة ؛ منها تكوين الأجنّة في الأرحام بعد أن كانت نطفا قليلة مهينة . ثم ما يمرّ به ذلك من مختلف المراحل من التطور انتهاء بالخروج إلى الدنيا عن طريق الولادة ليتقلب الإنسان بعد ذلك في مدارج النمو والتطور ، من الطفولة والرضاع ثم الشباب والكهولة ثم الكبر والهرم ثم الموت والبلى إلى ذلك من آيات في مركبات الإنسان البدنية والعصبية والنفسية والروحية والذهنية ، لا جرم أن ذلك كله آيات ظاهرات باهرات تشهد بعظمة الصانع الحكيم وأنه الخالق الموجد المقتدر .

قوله : { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } الضمير في { أنّه } يرجع إلى القرآن ، وقيل : إلى الله عز وجل ، وقيل : إلى الإسلام ، وقيل : إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم . والأظهر أن المراد هو القرآن ؛ فإنه فيما ينتشر في آفاق الكون والطبيعة والنفس الإنسانية من آيات عجاب ودلائل كبريات ، يزجي بقاطع البرهان على أن هذا القرآن حق وأنه منزل من عند الله ليكون هداية للناس وليستنقذ البشرية من ظلمات الباطل إلى نور الحق والعدل واليقين .

قوله : { أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } الجملة مسوقة لتوبيخ الظالمين والمشركين الغافلين عن الحق ، فالهمزة للإنكار والتوبيخ ، والباء في قوله : { بربِّك } زائدة ، وربك ، فاعل للفعل { يَكْفِ } {[4077]} .

والمعنى : أو لم يكفهم ربك بما بيَّنَهُ لهم من الأدلة والحجج في الكون والطبيعة وفي أنفسهم على أن الله حق وأنه شاهد على أعمالهم وأفعالهم وعلى صدق ما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم ، أو على أن ربك عليم بالأشياء ولا يغيب عنه منها شيء في الأرض ولا في السماء .


[4076]:مختار الصحاح ص 19
[4077]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 343