سورة النبأ مكية وآياتها أربعون ، نزلت بعد سورة المعارج . وهذا الجزء هو الثلاثون من أجزاء القرآن الكريم وهو آخرها ، ويحتوي على سبع وثلاثين سورة كلها مكية ما عدا ثلاث سور هي : البيّنة والزلزلة والنصر . وهو كسائر السور المكية ، ولكنه يمتاز بسوره القصيرة ، وطابعها الخاص الذي يجعلها وحدة على وجه التقريب : في موضوعها واتجاهها وإيقاعها وأسلوبها العام . ويكاد يحس القارئ وهو يقرأ : { فلينظر الإنسان إلى طعامه } . { فلينظر الإنسان ممّ خلق } { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ؟ وإلى السماء كيف رفعت ، وإلى الجبال كيف نصبت ، وإلى الأرض كيف سطحت } إلخ . . يكاد يحس ويلمس هذا التذكير بالأنفس والآفاق وهذا الكون العجيب ويتّعظ به ويملأ نفسه وقلبه .
وتعرض سورة النبأ سؤال المشركين عن البعث ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وتهديد المشركين على إنكارهم لوحدانية الله ورسالات المرسلين . ثم تتحدث عن أحداث يوم القيامة ، وما يلاقيه المكذبون من العذاب ، وفوز المتقين بجنات النعيم ، في ذلك اليوم الذي هو حق لا ريب فيه ، حيث يتمنى الكافرون لو كانوا ترابا . وفي السورة الكريمة نموذج لاتجاه هذا الجزء بموضوعاته وحقائقه ومشاهده وصوره وموسيقاه ولمساته في الكون والنفس ، والدنيا والآخرة . وأن اختيار الألفاظ والعبارات لَيوقع أثرا كبيرا في الحس والنفس والضمير .
عم ، أصلها عن ما : عن أي شيء يتساءلون .
كان الناس في مكة وغيرها في أول بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يسأل بعضُهم بعضا عن رسالة النبي ، ويسألون غيرهم ممن عنده عِلم فيقولون : هل هو رسول من عند الله ؟ وما هذا الخبر الذي جاء به ويدعي أنه مرسَل من قِبل الله ، ويدعو إلى توحيده وإلى الاعتقاد بالبعث واليوم الآخر ؟ وكان هذا شيئا جديدا عليهم ، فردّ الله عليهم بقوله تعالى :
{ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ النبإ العظيم الذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ }
{ عم } أصله : عن ما فأدغمت النون في الميم وحذفت ألف ما كقوله : فيم ، و بم ؟ { يتساءلون{ ، أي : عن أي شيء يتساءلون ، هؤلاء المشركون ؟ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى التوحيد وأخبرهم بالبعث بعد الموت ، وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون : ماذا جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال الزجاج : اللفظ لفظ استفهام ومعناه التفخيم ، كما تقول : أي شيء زيد ؟ إذا عظمت أمره وشأنه .
قوله تعالى : " عم " لفظ استفهام ؛ ولذلك سقطت منها ألف " ما " ، ليتميز الخبر عن الاستفهام . وكذلك ( فيم ، ومم ) إذا استفهمت . والمعنى عن أي شيء يسأل بعضهم بعضا . وقال الزجاج : أصل " عم " عن ما فأدغمت النون في الميم ؛ لأنها تشاركها في الغنة . والضمير في " يتساءلون " لقريش . وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : كانت قريش تجلس لما نزل القرآن فتتحدث فيما بينها فمنهم المصدق ومنهم المكذب به فنزلت " عم يتساءلون " ؟ وقيل : " عم " بمعنى : فيم يتشدد المشركون ويختصمون .
هذه السورة مكية وآياتها أربعون ، وهي مبدوءة بالإنكار من الله على المشركين تكذيبهم بيوم القيامة . فضلا عن الوعيد الشديد من الله لهؤلاء المكذبين المعاندين وهو قوله : { كلا سيعلمون 4 ثم كلا سيعلمون } .
ويبين الله في السورة جملة من الحجج والبراهين المنتزعة من الطبيعة المشهودة ليدل بذلك على قدرته المطلقة على بعث الناس ليوم الحساب وفي السورة حديث مثير عن الساعة وما يكتنف هذه الحقيقة الكبرى من أحداث كونية مريعة مزلزلة كالنفخ في الصور وانفتاح السماء وتسيير الجبال لتكون سرابا ، وما يعقب ذلك من ألوان التنكيل الذي يصلاه المكذبون الخاسرون .
وفي يوم القيامة تشتد الأهوال وترتاع القلوب وتشخص الأبصار شخوصا . وحينئذ ينقلب الظالمون المكذبون إلى أنفسهم نادمين آيسين وقد غشيتهم الحسرة ودهمهم الذل والخزي والالتياع المطبق فيتمنون أن لو كانوا في عداد البهائم ، ليكونوا ترابا .
{ عم يتساءلون 1 عن النبإ العظيم 2 الذي هم فيه مختلفون 3 كلا سيعلمون 4 ثم كلا سيعلمون 5 ألم نجعل الأرض مهادا 6 والجبال أوتادا 7 وخلقناكم أزواجا 8 وجعلنا نومكم سباتا 9 وجعلنا الليل لباسا 10 وجعلنا النهار معاشا 11 وبنينا فوقكم سبعا شدادا 12 وجعلنا سراجا وهّاجا 13 وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا 14 لنخرج به حبا ونباتا 15 وجنات ألفافا } .
يخبر الله عن المشركين المكذبين بالنبأ العظيم وهو يوم القيامة الذي لا ريب فيه .
فهم مختلفون فيما بينهم وقد تولوا في لجاجة وخصام ، يسأل بعضهم بعضا عن هذا النبأ فيصدق واحد ويكذّب آخر . وهو قوله : { عم يتساءلون } وعم ، لفظ استفهام ، أصله ( عن ما ) وقد سقط ألف ما ليتميز الخبر عن الإستفهام {[4728]}و المعنى : عن أي شيء يتساءل هؤلاء المشركون المكذبون ، أو فيم يختصمون فيسأل بعضهم بعضا . وقيل : لما نزل القرآن كانت قريش تجلس فتتحدث فيما بينها ، فمنهم المصدق ومنهم المكذب . وهو قول ابن عباس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.