الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} (1)

قوله : { عَمَّ } : قد تقدَّم أن البزيَّ يُدخل هاءَ السكتِ عوضاً من ألف " ما " الاستفهاميةِ في الوقف . ونُقِلَ عن ابن كثير أنه يَقرأ " عَمَّه " بالهاء وَصْلاً ، أجرى الوصل مُجرى الوقف . وقرأ عبد الله وأُبَيّ وعكرمة " عَمَّا " بإثبات الألفِ . وقد تقدَّم أنه يجوزُ ضرورةً أو في قليلٍ من الكلام . ومنه :

على ما قامَ يَشْتِمُني لَئيمٌ *** كخِنْزيرٍ تَمَرَّغَ في رَمادِ

/ وتقدم أنَّ الزمخشريَّ جَعَلَ منه

{ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي } في يس [ الآية : 27 ] . و " عَمَّ " فيه قولان ، أحدُهما : وهو الظاهرُ أنَّه متعلِّقٌ ب " يتساءلون " هذا الظاهرِ . قال أبو إسحاق : " الكلامُ تامٌّ في قوله : " عَمَّ يتساءلون " ، ثم كان مقتضى القول أن يُجيبَ مُجيبٌ ، فيقولَ : يتساءلون عن النبأ العظيم ، فاقتضى إيجازُ القرآنِ وبلاغتُه أَنْ يبادِرَ المحتَجُّ بالجوابِ التذي تقتضيه الحالُ والمحاورةُ اقتضاباً للحُجَّة ، وإسراعاً إلى مَوْضِعِ قَطْعِهم " . والثاني : أنَّه متعلِّقٌ بفعلٍ مقدرٍ ويتعلَّقُ { عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ } بهذا الفعلِ الظاهرِ . قال الزمخشري : " وعن ابن كثيرٍ أنه قرأ " عَمَّهْ " بهاءِ السَّكْتِ . ولا يَخْلو : إمَّا أَنْ يجريَ الوصلُ مَجْرى الوقفِ ، وإمَّا أَنْ يقفَ ويَبْتَدِىءَ { يَتَسَآءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ } على أَنْ يُضْمَرَ " يتساءلون " ؛ لأنَّ ما بعده يُفَسِّرُه كشيءٍ يُبْهَمُ ثم يُفَسَّرُ " .