فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النبأ

وتسمى سورة النبأ ، وهي أربعون آية ، وقيل إحدى وأربعون آية وهي مكية عند الجميع . وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت { عم يتساءلون } بمكة . وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله .

قوله : { عَمَّ يَتَسَاءلُونَ } أصله : «عن ما » فأدغمت النون في الميم ، لأن الميم تشاركها في الغنة ، كذا قال الزجاج . وحذفت الألف ليتميز الخبر عن الاستفهام ، وكذلك فيم وممّ ونحو ذلك ، والمعنى : عن أيّ شيء يسأل بعضهم بعضاً . قرأ الجمهور : { عمّ } بحذف الألف لما ذكرنا ، وقرأ أبيّ وابن مسعود وعكرمة وعيسى بإثباتها ، ومنه قول الشاعر :

علاما قام يشتمني لئيم *** كخنزير تمرغ في دمان

ولكنه قليل لا يجوز إلاّ للضرورة ، وقرأ البزي بهاء السكت عوضاً عن الألف ، وروى ذلك عن ابن كثير . قال الزجاج : اللفظ لفظ استفهام ، والمعنى : تفخيم القصة كما تقول : أيّ شيء تريد : إذا عظمت شأنه . قال الواحدي : قال المفسرون : لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبرهم بتوحيد الله والبعث بعد الموت وتلا عليهم القرآن ، جعلوا يتساءلون بينهم يقولون : ماذا جاء به محمد ، وما الذي أتى به ؟ فأنزل الله : { عَمَّ يَتَسَاءلُونَ } قال الفرّاء : التساؤل هو أن يسأل بعضهم بعضاً كالتقابل ، وقد يستمعل أيضاً في أن يتحدّثوا به وإن لم يكن بينهم سؤال . قال الله تعالى : { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ إِنّي كَانَ لِي قَرِينٌ } [ الصافات : 51 . 50 ] الآية ، وهذا يدل على أنه التحدّث ، ولفظ «ما » موضوع لطلب حقائق الأشياء ، وذلك يقتضي كون المطلوب مجهولاً ، فجعل الشيء العظيم الذي يعجز العقل عن أن يحيط بكنهه كأنه مجهول ، ولهذا جاء سبحانه بلفظ «ما » .