تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النبأ مكية وآياتها أربعون ، نزلت بعد سورة المعارج . وهذا الجزء هو الثلاثون من أجزاء القرآن الكريم وهو آخرها ، ويحتوي على سبع وثلاثين سورة كلها مكية ما عدا ثلاث سور هي : البيّنة والزلزلة والنصر . وهو كسائر السور المكية ، ولكنه يمتاز بسوره القصيرة ، وطابعها الخاص الذي يجعلها وحدة على وجه التقريب : في موضوعها واتجاهها وإيقاعها وأسلوبها العام . ويكاد يحس القارئ وهو يقرأ : { فلينظر الإنسان إلى طعامه } . { فلينظر الإنسان ممّ خلق } { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ؟ وإلى السماء كيف رفعت ، وإلى الجبال كيف نصبت ، وإلى الأرض كيف سطحت } إلخ . . يكاد يحس ويلمس هذا التذكير بالأنفس والآفاق وهذا الكون العجيب ويتّعظ به ويملأ نفسه وقلبه .

وتعرض سورة النبأ سؤال المشركين عن البعث ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وتهديد المشركين على إنكارهم لوحدانية الله ورسالات المرسلين . ثم تتحدث عن أحداث يوم القيامة ، وما يلاقيه المكذبون من العذاب ، وفوز المتقين بجنات النعيم ، في ذلك اليوم الذي هو حق لا ريب فيه ، حيث يتمنى الكافرون لو كانوا ترابا . وفي السورة الكريمة نموذج لاتجاه هذا الجزء بموضوعاته وحقائقه ومشاهده وصوره وموسيقاه ولمساته في الكون والنفس ، والدنيا والآخرة . وأن اختيار الألفاظ والعبارات لَيوقع أثرا كبيرا في الحس والنفس والضمير .

عم ، أصلها عن ما : عن أي شيء يتساءلون .

كان الناس في مكة وغيرها في أول بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يسأل بعضُهم بعضا عن رسالة النبي ، ويسألون غيرهم ممن عنده عِلم فيقولون : هل هو رسول من عند الله ؟ وما هذا الخبر الذي جاء به ويدعي أنه مرسَل من قِبل الله ، ويدعو إلى توحيده وإلى الاعتقاد بالبعث واليوم الآخر ؟ وكان هذا شيئا جديدا عليهم ، فردّ الله عليهم بقوله تعالى :

{ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ النبإ العظيم الذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ }

عن أي شيء يتساءلون ؟