تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

{ ألم تر } : أخبِرني ، وهو أسلوب من الكلام يراد به التعجب وإظهار الغرابة للمخاطب .

{ الذين تولوا قوما الخ . . . } : هم المنافقون واليهود .

{ قوما غضب الله عليهم } : هم اليهود .

{ ما هم منكم ولا منهم } : لأنهم مذبذبون .

{ ويحلفون على الكذب } : يعني يحلفون بأنهم معكم وهم كاذبون .

هذه الآية والآيات الأربع التي بعدها في المنافقين وأخبارهم ، وكذِبِهم على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . وسيأتي بعدَ أربَعِ سورٍ سورةٌ خاصة بالمنافقين .

ألم تر أيها الرسول ، إلى هؤلاء المنافقين الذين اتخذوا اليهودَ المغضوبَ عليهم أولياءَ ينصحونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين ! إنهم ليسوا من المؤمنين إلا في الظاهر ، كما أنهم ليسوا من اليهود ، { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هؤلاء } [ النساء : 143 ] .

ثم بين الله تعالى أنهم يَحلِفون الأيمان الكاذبة ليُظهروا أنهم مسلمون ، ويَشهدوا أن محمدا رسولُ الله ، والله يشهدُ إنهم كاذبون .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم } ، نزلت في المنافقين تولوا اليهود وناصحوهم ونقلوا أسرار المؤمنين إليهم . وأراد بقوله : { غضب الله عليهم } اليهود ، { ما هم منكم ولا منهم }يعني المنافقين ليسوا من المؤمنين في الدين والولاية ، ولا من اليهود والكافرين ، كما قال :{ مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء }( النساء- 143 ) . { ويحلفون على الكذب وهم يعلمون } ، قال السدي ومقاتل : نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود ، " فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجراته إذ قال : يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان ، فدخل عبد الله بن نبتل وكان أزرق العينين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :علام تشتمني أنت وأصحابك ؟ فحلف بالله ما فعل وجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه ، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات ، فقال :{ ويحلفون على الكذب وهم يعلمون } أنهم كذبة " .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

{ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم } أي المنافقين تولوا اليهود وناصحوهم ونقلوا اليهم أسرار المؤمنين { ما هم منكم } أيها المؤمنون { ولا منهم } من اليهود { ويحلفون على الكذب } يحلفون أنهم لا يخونون المؤمنين { وهم يعلمون } أنهم كاذبون في حلفهم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

قوله تعالى : " ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم " قال قتادة : هم المنافقون تولوا اليهود " ما هم منكم ولا منهم " يقول : ليس المنافقون من اليهود ولا من المسلمين بل هم مذبذبون بين ذلك ، وكانوا يحملون أخبار المسلمين إليهم . قال السدي ومقاتل : نزلت في عبدالله بن أبي وعبدالله بن نبتل المنافقين ، كان أحدهما يجالس النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود ، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجراته إذ قال : ( يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان ) فدخل عبدالله بن نبتل - وكان أزرق أسمر قصيرا خفيف اللحية - فقال عليه الصلاة والسلام : ( علام تشتمني أنت وأصحابك ) فحلف بالله ما فعل ذلك . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( فعلت ) فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه ، فنزلت هذه الآية . وقال معناه ابن عباس . روى عكرمة عنه ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل شجرة قد كاد الظل يتقلص عنه إذ قال : ( يجيئكم الساعة رجل أزرق ينظر إليكم نظر الشيطان ) فنحن على ذلك إذ أقبل رجل أزرق ، فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( علام تشتمني أنت وأصحابك ) قال : دعني أجيئك بهم . فمر فجاء بهم فحلفوا جميعا أنه ما كان من ذلك شيء ، فأنزل الله عز وجل : " يوم يبعثهم الله جميعا " [ المجادلة :18 ] إلى قوله : " هم الخاسرون " واليهود مذكرون في القرآن ب " وغضب الله عليهم " [ الفتح : 6 ] .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

ولما أخبر بإحاطة علمه ردعاً{[63411]} لمن يغتر{[63412]} بطول حلمه ، دل على ذلك باطلاعه على نفاق المنافقين الذي هو أبطن الأشياء ، فقال معجباً مرهباً معظماً للمقام بتخصيص الخطاب بأعلى الخلق صلى الله عليه وسلم تنبيهاً على أنه لا يفهم ذلك حق فهمه غيره : { ألم تر } ودل على بعدهم عن الخير بحرف الغاية فقال : { إلى الذين تولوا } أي تكلفوا بغاية جهدهم أن جعلوا أولياءهم الذين ينزلون بهم أمورهم { قوماً } ابتغوا عندهم{[63413]} العزة اغتراراً بما يظهر لهم منهم من القوة { غضب الله } أي الملك الأعلى الذي لا ند{[63414]} له { عليهم } أي على المتولين والمتولَّين{[63415]} لأنهم قطعوا ما بينهم وبينه ، والأولون هم المنافقون تولوا اليهود ، وزاد في الشناعة عليهم بقوله مستأنفاً : { ما هم } أي اليهود المغضوب عليهم { منكم } أيها المؤمنون لتولوهم خوفاً من السيف ورغبة في السلم { ولا منهم } أي المنافقين ، فتكون موالاتهم لهم{[63416]} لمحبة سابقة وقرابة شابكة ، ليكون ذلك لهم عذراً ، بل هم مذبذبون ، فهم مع المؤمنين بأقوالهم ، ومع الكفار بقلوبهم ، فما تولوهم إلا عشقاً في النفاق لمقاربة{[63417]} ما بينهم فيه ، أو يكون المعنى : ما المنافقون المتولون من المسلمين ولا من اليهود المتولين ، وزاد في الشناعة عليهم بأقبح الأشياء الحالم على كل رذيلة ، فقال ذاكراً لحالهم في هذا الاتحاد : { ويحلفون } أي المنافقون يجددون الحلف على الاستمرار ، ودل بأداة الاستعلاء على أنهم{[63418]} في غاية الجرأة على استمرارهم{[63419]} على الأيمان الكاذبة بأن التقدير : مجترئين { على الكذب } في دعوى الإسلام وغير ذلك مما يقعون فيه من عظائم الآثام ، فإذا عوتبوا عليه بادروا إلى الإيمان .

ولما كان الكذب قد يطلق في اللغة على ما يخالف الواقع وإن كان عن غير تعمد بأن يكون{[63420]} الحالف يجهل عدم مطابقته للواقع ، قال نافياً لذلك مبيناً أنهم جرؤوا على اليمين الغموس : { وهم يعلمون * } أي أنهم كاذبون فهم متعمدون{[63421]} ، وذلك{[63422]} أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : " " يدخل عليكم رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان " ، فدخل عبد الله بن نبتل وكان أزرق أسمر قصيراً{[63423]} خفيف اللحية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " علام تشتمني أنت وأصحابك ، فحلف بالله ما فعل " فقال له : فعلت . فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه " فنزلت .


[63411]:- من ظ وم، وفي الأصل: ودعا.
[63412]:- من ظ وم، وفي الأصل: يغر-كذا.
[63413]:- من ظ وم، وفي الأصل: عنده.
[63414]:- من ظ وم، وفي الأصل: مذل.
[63415]:- من ظ وم، وفي الأصل: المولين.
[63416]:- سقط من ظ.
[63417]:- في ظ: لتقارب.
[63418]:- من م، وفي الأصل وظ: إنه.
[63419]:- من ظ وم، وفي الأصل: الاستمرار.
[63420]:- من ظ وم، وفي الأصل: كان-كذا.
[63421]:- من م، وفي الأصل وظ: يتعمدون.
[63422]:- الحديث ذكره البغوي في المعالم بهامش اللباب 7/ 45.
[63423]:- من ظ وم، وفي الأصل: قصير.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون 14 أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون 15 اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين 16 لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 17 يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون 18 استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون } .

ذلك تنديد بليغ بالمنافقين الذين يوالون الكافرين من أهل الكتاب ، ويمالئونهم على المسلمين الذين يخفون لهم في قلوبهم الحقد والكراهية . أولئك هم المنافقون الموغلون في الخطيئة والرجس وفساد القلوب ، أولئك الذين يأتون هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه وهم في الحقيقة ليسوا من أحد الفريقين وإنما يتلبّسون بهذه الصفة الخسيسة لفرط كراهيتهم للإسلام والمسلمين وبالغ حسدهم لهم . فقال سبحانه : { ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم } المراد بهم المنافقون فقد تولوا قوما غضب الله عليهم وهم اليهود ، إذ كانوا يوالونهم ويمالئونهم على الإسلام والمسلمين ، وهم في الحقيقة ليسوا من اليهود ولا من المسلمين ، ولكنهم كانوا مذبذبين بين ذلك وكان من عادتهم أن يحملوا أخبار النبي والمسلمين إلى اليهود .

قوله : { ويحلفون على الكذب وهم يعلمون } يحلفون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لم يمالئوا عليه أحدا ولم يبتغوا له وللمسلمين الأذية ، وهم موقنون في قرار أنفسهم أنهم كاذبون . وقد روي عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل حجرة وعنده نفر من المسلمين قد كان الظل يقلص عنهم ، فقال لهم : " إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعين شيطان وإذا أتاكم فلا تكلموه " فجاء رجل أزرق فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه فقال : " علام تشتمني أنت وفلان وفلان " نفر دعا بأسمائهم . فانطلق الرجل فدعاهم فحلفوا بالله واعتذروا إليه فأنزل الله هذه الآية .