البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

{ الذين تولوا } : هم المنافقون ، والمغضوب عليهم : هم اليهود ، عن السدي ومقاتل ، " أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : يدخل عليكم رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان ، فدخل عبد الله بن أبي بن سلول ، وكان أزرق أسمر قصيراً ، خفيف اللحية ، فقال عليه الصلاة والسلام : علام تشتمني أنت وأصحابك ؟ فحلف بالله ما فعل ، فقال عليه الصلاة والسلام له : «فعلت » ، فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه " ، فنزلت .

والضمير في { ما هم } عائد على { الذين تولوا } ، وهم المنافقون : أي ليسوا منكم أيها المؤمنون ، { ولا منهم } : أي ليسوا من الذين تولوهم ، وهم اليهود .

وما هم استئناف إخبار بأنهم مذبذبون ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، كما قال عليه الصلاة والسلام : " مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين لأنه مع المؤمنين بقوله ومع الكفار بقلبه " وقال ابن عطية : يحتمل تأويلاً آخر ، وهو أن يكون قوله : { ما هم } يريد به اليهود ، وقوله : { ولا منهم } يريد به المنافقين ، فيجيء فعل المنافقين على هذا التأويل أحسن ، لأنهم تولوا مغضوباً عليهم ، ليسوا من أنفسهم فيلزمهم ذمامهم ، ولا من القوم المحقين فتكون الموالاة صواباً . انتهى .

والظاهر التأويل الأول ، لأن الذين تولوا هم المحدث عنهم .

والضمير في { ويحلفون } عائد عليهم ، فتتناسق الضمائر لهم ولا تختلف .

وعلى هذا التأويل يكون { ما هم } استئنافاً ، وجاز أن يكون حالاً من ضمير { تولوا } .

وعلى احتمال ابن عطية ، يكون { ما هم } صفة لقوم .

{ ويحلفون على الكذب } ، إما أنهم ما سبوا ، كما روي في سبب النزول ، أو على أنهم مسلمون .

والكذب هو ما ادعوه من الإسلام .

{ وهم يعلمون } : جملة حالية يقبح عليهم ، إذ حلفوا على خلاف ما أبطنوا ، فالمعنى : وهم عالمون متعمدون له .