الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

قوله : { مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ } : يجوزُ في هذه الجملةِ ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنها مستأنفةٌ لا موضعَ لها من الإِعراب . أخبر عنهم بأنهم ليسوا من المؤمنين الخُلَّصِ . ولا من الكافرين الخلَّصِ ، بل كقولِه : { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاءِ } [ النساء : 143 ] . فالضميرُ في " ما هم " عائدٌ على الذين تَوَلَّوا ، وهم المنافقون . وفي " منهم " عائدٌ على اليهود أي : الكافرين الخُلَّص . والثاني : أنها حالٌ مِنْ فاعل " تَوَلَّوا " والمعنى : على ما تقدَّم أيضاً . والثالث : أنها صفةٌ ثانيةً ل " قوماً " ، فعلى هذا يكون الضميرُ في " ما هم " عائداً على " قوماً " ، وهم اليهودُ ، والضميرُ في " منهم " عائدٌ على الذين تَوَلَّوا يعني : اليهودُ ليسوا منكم أيها المؤمنون ، ولا من المنافقين ، ومع ذلك تولاَّهم المنافقون ، قاله ابن عطية ، إلاَّ أنَّ فيه تنافُرَ الضمائرِ ؛ فإن الضميرَ في " ويَحْلِفون " عائدٌ على الذين تَوَلَّوْا ، فعلى الوجهين الأوَّلَيْن تتحد الضمائرُ لعَوْدِها على الذين تَوَلَّوا ، وعلى الثالث تختلفُ كما عَرَفْتَ تحقيقَه .

قوله : { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } جملةٌ حاليةٌ أي : يعلمون أنه كذِبٌ فيَمينُهم يمينٌ غموسٌ لا عُذْرَ لهم فيها .