مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون } . كان المنافقون يتولون اليهود وهم الذين غضب الله عليهم في قوله : { من لعنه الله وغضب عليه } وينقلون إليهم أسرار المؤمنين : { ما هم منكم } أيها المسلمون ولا من اليهود { ويحلفون على الكذب } والمراد من هذا الكذب إما ادعاؤهم كونهم مسلمين ، وإما أنهم كانوا يشتمون الله ورسوله ويكيدون المسلمين فإذا قيل لهم : إنكم فعلتم ذلك خافوا على أنفسهم من القتل ، فيحلفون أنا ما قلنا ذلك وما فعلناه ، فهذا هو الكذب الذي يحلفون عليه .

واعلم أن هذه الآية تدل على فساد قول الجاحظ : إن الخبر الذي يكون مخالفا للمخبر عنه إنما يكون كذبا لو علم المخبر كون الخبر مخالفا للمخبر عنه ، وذلك لأن لو كان الأمر على ما ذهب إليه لكان قوله : { وهم يعلمون } تكرارا غير مقيد ، يروى أن عبد الله بن نبتل المنافق كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرته إذ قال : يدخل عليكم رجل ينظر بعين شيطان أو بعيني شيطان فدخل رجل عيناه زرقاوان فقال له : لم تسبني فجعل يحلف فنزل قوله : { ويحلفون على الكذب وهم يعلمون } .