سورة المرسلات مكية ، وعدد آياتها خمسون ، نزلت بعد سورة الهمزة . وهذه السورة كباقي السور المكية قصيرة الآيات ، تعرض مشاهد من الدنيا والآخرة ، وحقائق الكون والنفس ، ومناظر الهول والعذاب . وقد تكرر فيها قوله تعالى { ويل يومئذ للمكذبين } عشر مرات في عشرة مقاطع . وكل مقطع من مقاطع السورة العشرة يمثل جولة في عالم تتحول السورة معه إلى مساحات من التأملات والمشاعر والخواطر والتأثرات . وأهم ما اشتملت عليه هذه السورة الكريمة بعد المطلع الإخبار بأن يوم الفصل آت لا شك فيه ، وقد أكد ذلك بالقَسَم بعدة أشياء . وبعد الكلام على البعث والقيامة وإقامة الأدلة على وقوعها ، جاء تهديد من يكذب بهما وتكرير ذلك التهديد بالويل عشر مرات ، والتخويف بما يذوق المكذبون من المذلة والعذاب ، وتوبيخهم على نكران نِعم اله عليهم في الأنفس والآفاق ، ثم وصف عذاب الكافرين بما تشيب من هوله الولدان .
ثم يأتي تبشير المتقين بما يلقونه من الرفاهة والنعيم ، ووصف نعيم المتقين في جنات النعيم ، ويتخلل ذلك وصف خلق الإنسان والأرض والجبال ، وبيان عظمة الخالق وقدرته .
وتتوالى مقاطع السورة وفواصلها قصيرة سريعة عنيفة ، متعددة القوافي ، كل مقطع بقافية . ويعود السياق أحيانا إلى بعض القوافي مرة بعد مرة ، ثم يأتي ختامها بالويل للكافرين المكذبين الذين لا يؤمنون بالقرآن الكريم ، { فبأي حديث بعده يؤمنون } !
أقسم اللهُ تعالى بطوائف من الملائكة ، منهم المرسَلون إلى الأنبياء بالإحسان
{ والمرسلات عرفا } : المرسلات الرياح الطيبة والعرف المتتابعة .
قوله تعالى { والمرسلات عرفا } هذا بداية قسم الله تعالى أقسم فيه بعدة أشياء من مخلوقاته ولله أن يقسم بما شاء ، والحكمة من الإِقسام أن تسكن النفوس للخبر وتطمئن إلى صدق المخبر فيه وبذلك يحصل الغرض من إلقاء الخبر على السامعين والمقسم به هنا المرسلات وهي الرياح المتتابعة الطيبة العذبة . والعاصفات منها وهي الشديدة الهبوب التي قد تعصف بالأشجار وتقتلعها وبالمباني وتهدمها .
مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر . وقال ابن عباس وقتادة إلا آية منها ، وهي قوله تعالى : " وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون " [ المرسلات : 48 ] مدنية .
وقال ابن مسعود : نزلت " والمرسلات عرفا " على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ونحن معه نسير ، حتى أوينا إلى غار بمنى فنزلت ، فبينا نحن نتلقاها منه ، وإن فاه لرطب بها إذ وثبت حية ، فوثبنا عليها لنقتلها فذهبت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وقيتم شرها كما وقيت شركم ) . وعن كريب مولى ابن عباس قال : قرأت سورة " والمرسلات عرفا " فسمعتني أم الفضل امرأة العباس ، فبكت وقالت : والله يا بني لقد أذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في صلاة المغرب . والله أعلم . وهي خمسون آية .
قوله تعالى : " والمرسلات عرفا " جمهور المفسرين على أن المرسلات الرياح . وروى مسروق عن عبد الله قال : هي الملائكة أرسلت بالمعروف من أمر الله تعالى ونهيه والخبر والوحي . وهو قول أبي هريرة ومقاتل وأبي صالح والكلبي . وقيل : هم الأنبياء أرسلوا بلا إله إلا الله . قاله ابن عباس . وقال أبو صالح : إنهم الرسل ترسل بما يعرفون به من المعجزات . وعن ابن عباس وابن مسعود : إنها الرياح ؛ كما قال تعالى : " وأرسلنا الرياح " [ الحجر : 22 ] . وقال : " وهو الذي يرسل الرياح " [ الأعراف : 57 ] . ومعنى " عرفا " يتبع بعضها بعضا كعرف الفرس ، تقول العرب : الناس إلى فلان عرف واحد : إذا توجهوا إليه فأكثروا . وهو نصب على الحال من " والمرسلات " أي والرياح التي أرسلت متتابعة . ويجوز أن تكون مصدرا أي تباعا . ويجوز أن يكون النصب على تقدير حرف الجر ، كأنه قال : والمرسلات بالعرف ، والمراد الملائكة أو الملائكة والرسل . وقيل : يحتمل أن يكون المراد بالمرسلات السحاب ، لما فيها من نعمة ونقمة ، عارفة بما أرسلت فيه ومن أرسلت إليه . وقيل : إنها الزواجر والمواعظ . و " عرفا " على هذا التأويل متتابعات كعرف الفرس . قاله ابن مسعود . وقيل : جاريات . قاله الحسن . يعني في القلوب . وقيل : معروفات في العقول .
/سورة المرسلات{[1]} وتسمى العرف
مقصودها الدلالة على [ آخر-{[2]} ]الإنسان من إثابة الشاكرين بالنعيم ، وإصابة الكافرين بعذاب الجحيم ، في يوم الفصل بعد جمع الأجساد وإحياء{[3]} العباد بعد طي هذا الوجود وتغيير العالم المعهود بما له سبحانه من القدرة على إنبات النبات وإنشاء الأقوات وإنزال العلوم وإيساع الفهوم لإحياء الأرواح{[4]} وإسعاد الأشباح بأسباب خفية وعلل مرئية وغير مرئية ، وتطوير الإنسان في أطوار الأسنان ، وإيداع الإيمان فيما يرضى من الأبدان ، وإيجاد الكفران في أهل الخيبة والخسران ، مع اشتراك الكل في أساليب هذا القرآن ، الذي عجز الإنس والجان ، عن الإتيان بمثل آية [ منه-{[5]} ] على كثرتهم وتطاول الزمان ، واسمها المرسلات و[ كذا-{[6]} ] العرف واضح الدلالة على ذلك لمن تدبر الأقسام ، وتذكر ما دلت عليه من معاني الكلام { بسم الله }{[7]} الذي له القدرة التامة على ما يريد { الرحمن } الذي له عموم الإنعام على سائر العبيد { الرحيم* } الذي خص أهل رضوانه بإتمام ذلك الإنعام وعنده المزيد .
لما ختمت سورة الإنسان بالوعد لأوليائه والوعيد لأعدائه ، وكان الكفار يكذبون بذلك ، افتتح هذه بالإقسام على أن ذلك كائن فقال : { والمرسلات } أي من الرياح{[70823]} والملائكة { عرفاً * } أي لأجل إلقاء المعروف من القرآن{[70824]} والسنة وغير ذلك من الإحسان ، ومن إلقاء الروح والبركة وتيسير الأمور في الأقوات{[70825]} وغيرها ، أو حال كونها متتابعة متكاثرة بعضها في أثر بعض ، من قول العرب : الناس إلى فلان عرف واحد - إذا توجهوا إليه فأكثروا ، ويقال : جاؤوا عرفاً واحداً ، وهم عليه كعرف الضبع{[70826]} - إذا تألبوا عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.