سورة الذاريات مكية وآياتها ستون ، نزلت بعد سورة الأحقاف . وموضوعها كموضوع السور المكية : أصول العقيدة والاعتقاد بوحدانية الله ، وأنه هو الخالق الرازق ، المحيي والمميت ، والمتصرف في الكون بما يشاء .
وتبدأ السورة بالقسَم بأربعة أشياء هي : الرياح ، والسحب ، والسفن ، والملائكة ، على صِدق البعث ووقوع الجزاء . ثم تردف بقسم آخر على اضطراب المنكرين فيما يقولونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن القرآن الكريم . فيُقسم تعالى بالسماء ذات الحُبُك المنسّقة المحكمة البناء والتركيب- كتنسيق الزرَد المتشابك المتداخل الحلقات- على اضطراب أقوالهم ، وأنهم يعيشون في أوهام وظنون في أمر البعث .
ثم تنتقل السورة إلى إنذار المنكرين بسوء مآلهم في الآخرة ، وتصوير ما أعد الله للمتقين فيها جزاء ما قدّموا من أعمال صالحة في الدنيا .
ثم توجه الأنظار إلى التأمل في آيات الله في هذا الكون الكبير العجيب ، وفي الأنفس وما فيها من عجائب الصنع ولطائف الخلق ، وأن الرزق مؤمّن للجميع ، { فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون } لا شك في ذلك ولا ريب .
ثم تحدثت عن قصة إبراهيم مع ضيوفه من الملائكة الذين بعثهم الله لإهلاك المكذبين من قوم لوط ، وبشروا إبراهيم بغلام عليم من زوجته التي كانت عقيما . ثم تعرض السورة لأحوال بعض الأمم وما أصابهم من الهلاك بتكذيبهم لأنبيائهم ، مثل قوم نوح وعاد وفرعون وثمود . وتشير بعد ذلك بإجمال إلى بعض الآيات الكونية لتحث الناس على الرجوع إلى الله ، وإفراده بالعبادة ، وتخاطب الرسول الكريم { فتولّ عنهم ما أنت بمَلوم ، وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } . وفي هذا تسلية للرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه . وفي الختام تذكر السورة الغاية من خلق الجن والإنس ، وهي العبادة ، وأن الله غني عنهم جميعا { ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يُطعمون } . ثم يجيء الإنذار للمكذبين { فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون } .
الذاريات : الرياح تذرو الترابَ وغيره ، وهي تحمل معها الحياة لأنها تسوق السحاب ، كما تحمل الدمار أحيانا .
أقسَم الله تعالى بهذه الأشياء : بالرياح المثيراتِ للتراب وغيره .
{ 1-6 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ }
هذا قسم من الله الصادق في قيله ، بهذه المخلوقات العظيمة التي جعل الله فيها من المصالح والمنافع ، ما جعل على أن وعده صدق ، وأن الدين الذي هو يوم الجزاء والمحاسبة على الأعمال ، لواقع لا محالة ، ما له من دافع ، فإذا أخبر به الصادق العظيم وأقسم عليه ، وأقام الأدلة والبراهين عليه ، فلم يكذب به المكذبون ، ويعرض عن العمل له العاملون .
والمراد بالذاريات : هي الرياح التي تذروا ، في هبوبها { ذَرْوًا } بلينها ، ولطفها ، ولطفها وقوتها ، وإزعاجها .
هذه السورة مكية ، وآياتها ستون . وفيها تركيز على الإيمان بالله خالق كل شيء ، والتحذير من عقابه الذي يصيب به الفاسقين المعرضين عن منهج الله . والسورة مبدوءة بالقسم العظيم من الله بأجزاء من خلقه على أن وعده من الثواب والعقاب والحساب حق وصدق لا ريب فيه .
وفي السورة وصف سريع ومقتضب لأحوال الظالمين السابقين الذين عصوا رسل ربهم وضلوا السبيل فأهلكهم الله بذنوبهم وعصيانهم . ومنهم قوم لوط الذين جعل الله عاليهم سافلهم ، وقوم فرعون الذين أخذوا بالتغريق ، وقوم عاد الذين أهلكوا بالريح العقيم ، قوم ثمود الذين أخذتهم الصيحة ، وقوم نوح الذين أتى عليهم الطوفان فقطع دابرهم .
وفي السورة إعلان من الله يبين فيه علة خلق العالمين وهي عبادة الله وحده والإذعان لجلاله بالخضوع والطاعة { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } إلى غير ذلك من صور التذكير والعبر والأخبار .
{ والذاريات ذروا 1 فالحاملات وقرا 2 يوم فالجاريات يسرا 3 فالمقسّمات أمرا 4 إنما توعدون لصادق 5 وإن الدين لواقع 6 والسماء ذات الحبك 7 إنكم لفي قول مختلف 8 يؤفك عنه من أفك 9 قتل الخراصون 10 الذين هم في غمرة ساهون 11 يسئلون أيان يوم الدين 12 يوم هم على النار يفتنون 13 ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون } .
يقسم الله بأجزاء من خلقه . فقد أقسم ههنا بالذاريات وهي الرياح . وأقسم بالحاملات وقرا ، وذلكم السحاب الذي يحمل قطرات المطر ليسوقه إلى مختلف البلدان والأقاليم . وكذلك أقسم بالجاريات يسرا ، وهي السفن المحملة بالعباد والأمتعة ، والتي تجري على سطح الماء في سهولة ولين ، وذلك بما بثه الله في الأجسام من خاصية الطفو على سطح الماء . ثم أقسم الله بالمقسّمات أمرا ، وهي الملائكة تحمل الأمر من السماء إلى الأرض على اختلافه ما بين خصب وقحط وسعة وفقر ونصر وهزيمة وولادة وموت ، وغير ذلك من وجوه الحوادث والأمور . ويدل على هذا التأويل مما تقدم ما روي عن علي ( رضي الله عنه ) أنه صعد منبر الكوفة فقال : لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى ولا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنبأتكم بذلك فقام إليه الكواء فقال : يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى : { والذاريات ذروا } ؟ قال علي ( رضي الله عنه ) : الريح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.