تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ} (10)

لا تجعل في قلوبنا غِلا : بغضا وحسدا .

ثم جاء المدحُ لمن تبع الأنصارَ والمهاجرين ، وساروا على طريقتهم في كل زمان ومكان إلى يوم القيامة فقال تعالى : { والذين جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفر لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الذين سَبَقُونَا بالإيمان } ، وهذا يشمل المسلمين الذين اتبعوا الهدى وطبقوا الشريعة ، في كل مكان وزمان .

كما جاء في سورة براءة الآية 100 { والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } { وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } ، هؤلاء هم المؤمنون حقا ، فهم يستغفرون لأنفسِهم ولإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان . ( ويشمل هذا جميعَ الصحابة الكرامِ وتابعيهم وكلَّ من سار على هداهم ) ، ثم يزيدون فيدْعون إلى الله أن لا يجعلَ في قلوبهم حَسداً وحِقدا للمؤمنين جميعا ، فكيف ببعضِ من يسبُّ كرامَ الصحابة ، ويُبغضهم ! عافانا الله من ذلك وطهّر قلوبنا من الغل والحسد والبغضاء .

فالقرآن تتجلّى عظمته في هذا الربط المتين : ربطَ أول هذه الأمة بآخرها ، وجعلها حلقة واحدةً مترابطةً في تضامن وتكافل وتعاطف وتوادّ ، ويمضي الخَلَفُ على آثار السلف ، صفاً واحدا على هدف واحد ، في مدار الزمان و اختلاف الأوطان .

نسأل الله تعالى أن يجمع كلمةَ العرب والمسلمين ، ويوحّدَ صفوفهم تحت رايةِ القرآن وسنة رسوله الكريم ، إنه سميع مجيب .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ} (10)

{ والذين جاؤوا من بعدهم } أي والذين يجيئون من بعد المهاجرين والأنصار الى يوم القيامة { يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } أي المهاجرين والأنصار { ولا تجعل في قلوبنا غلا } حقدا { للذين آمنوا } الآية فمن ترحم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن في قلبه غل لهم فهو من أهل هذه الآية ومن يشتم واحدا منهم ولم يترحم عليه لم يكن له حظ في الفيء وكان خارجا من جملة أقسام المؤمنين وهم ثلاثة المهاجرون والأنصار والذين جاؤوا من بعدهم بهذه الصفة التي ذكرها الله تعالى .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ} (10)

فيه أربع مسائل :

الأولى- قوله تعالى : { والذين جاؤوا من بعدهم } يعني التابعين ومن دخل في الإسلام إلى يوم القيامة . قال ابن أبي ليلى : الناس على ثلاثة منازل : المهاجرون ، والذين تبوؤوا الدار والإيمان ، والذين جاؤوا من بعدهم . فاجتهد ألا تخرج من هذه المنازل . وقال بعضهم : كن شمسا ، فإن لم تستطع فكن قمرا ، فإن لم تستطع فكن كوكبا مضيئا ، فإن لم تستطع فكن كوكبا صغيرا ، ومن جهة النور لا تنقطع . ومعنى هذا : كن مهاجريا . فإن قلت : لا أجد ، فكن أنصاريا . فإن لم تجد فاعمل كأعمالهم ، فإن لم تستطع فأحبهم واستغفر لهم كما أمرك الله . وروى مصعب بن سعد قال : الناس على ثلاثة منازل ، فمضت منزلتان وبقيت منزلة ، فأحسن ما أنتم عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت . وعن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي الله عنه ، أنه جاءه رجل فقال له : يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما تقول في عثمان ؟ فقال له : يا أخي أنت من قوم قال الله فيهم : " للفقراء المهاجرين " الآية . قال : لا ، قال : فوالله لئن لم تكن من أهل الآية{[14857]} فأنت من قوم قال الله فيهم : { والذين تبوؤوا الدار والإيمان } الآية . قال لا قال : فوالله لئن لم تكن من أهل الآية الثالثة لتخرجن من الإسلام وهي قوله تعالى : { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } الآية . وقد قيل : إن محمد بن علي بن الحسين ، رضي الله عنهم ، روى عن أبيه : أن نفرا من أهل العراق جاؤوا إليه ، فسبوا أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - ثم عثمان - رضي الله عنه – فأكثروا ، فقال لهم : أمن المهاجرين الأولين أنتم ؟ قالوا لا . فقال : أفمن الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم ؟ فقالوا لا . فقال : قد تبرأتم من هذين الفريقين ! أنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل : { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم } قوموا ، فعل الله بكم وفعل ذكره النحاس .

الثانية- هذه الآية دليل على وجوب محبة الصحابة ؛ لأنه جعل لمن بعدهم حظا في الفيء ما أقاموا على محبتهم وموالاتهم والاستغفار لهم ، وأن من سبهم أو واحدا منهم أو اعتقد فيه شرا إنه لا حق له في الفيء ، روي ذلك عن مالك وغيره . قال مالك : من كان يبغض أحدا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، أو كان في قلبه عليهم غل ، فليس له حق في فيء المسلمين ؛ ثم قرأ { والذين جاؤوا من بعدهم } الآية .

الثالثة- هذه الآية تدل على أن الصحيح من أقوال العلماء قسمة المنقول ، وإبقاء العقار والأرض شملا{[14858]} بين المسلمين أجمعين ، كما فعل عمر رضي الله عنه ، إلا أن يجتهد الوالي فينفذ أمرا فيمضى عمله فيه لاختلاف الناس عليه وأن هذه الآية قاضية بذلك ؛ لأن الله تعالى أخبر عن الفيء وجعله لثلاث طوائف : المهاجرين والأنصار - وهم معلمون - { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } . فهي عامة في جميع التابعين والآتين بعدهم إلى يوم الدين . وفي الحديث الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال : ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وددت أن رأيت{[14859]} إخواننا ) قالوا : يا رسول الله ، ألسنا بإخوانك ؟ فقال : ( بل أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض ) . فبين صلى الله عليه وسلم أن إخوانهم كل من يأتي بعدهم ، لا كما قال السدي والكلبي : إنهم الذين هاجروا بعد ذلك . وعن الحسن أيضا { والذين جاؤوا من بعدهم } من قصد إلى النبي إلى المدينة بعد انقطاع الهجرة .

الرابعة- قوله تعالى : " يقولون " نصب في موضع الحال ، أي قائلين . { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } فيه وجهان : أحدهما : أمروا أن يستغفروا لمن سبق هذه الأمة من مؤمني أهل الكتاب . قالت عائشة رضي الله عنها : فأمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم . الثاني : أمروا أن يستغفروا للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار . قال ابن عباس : أمر الله تعالى بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو يعلم أنهم سيفتنون . وقالت عائشة : أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد فسببتموهم ، سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها ) وقال ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعن الله أَشَرَّكم ) . وقال العوام بن حوشب : أدركت صدر هذه الأمة يقولون : اذكروا محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تألف عليهم القلوب ، ولا تذكروا ما شجر بينهم فتجسروا الناس عليهم . وقال الشعبي : تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة ، سئلت اليهود : من خير أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب موسى . وسئلت النصارى : من خير أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب عيسى . وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب محمد ، أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم ، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة ، لا تقوم لهم راية ، ولا تثبت لهم قدم ، ولا تجتمع لهم كلمة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله بسفك دمائهم وإدحاض حجتهم . أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلة . { ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم } أي حقدا وحسدا { ربنا إنك رؤوف رحيم } .


[14857]:ما بين المربعين ساقط من س، هـ.
[14858]:كذا في الأصول. والمراد جعلها عامة شاملة بين المسلمين.
[14859]:في صحيح مسلم: "أنا قد رأينا...".
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ} (10)

{ والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم } .

{ والذين جاءُوا من بعدهم } من بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة { يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً } حقداً { للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم } .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ} (10)

قوله : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } وهؤلاء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء وهم التابعون للمهاجرين والأنصار بإحسان إلى يوم الدين ، فهم المسلمون الذين يدخلون في الإسلام إلى يوم القيامة . وقد قيل : الناس على ثلاثة منازل : المهاجرون ، والذين تبوءوا الدار والإيمان أي الأنصار ، ثم الذين جاءوا من بعدهم . وهؤلاء قد مدحهم الله بدعائهم لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان . وهو قوله : { يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } فهم يستغفرون لأنفسهم وللسابقين من المؤمنين . قال ابن عباس : أمر الله بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو يعلم أنهم سيفتنون . وقالت عائشة ( رضي الله عنها ) : أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسببتموهم . سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : " لاتذهب هذه الأمة حتى يعلن آخرها أولها " .

وعلى هذا فإنه لا يسب الصحابة أو أحدهم إلا فاسق ضال أو كاذب مغرور ، فإن من تقوى القلوب أن تذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وألا يذكر ما شجر بينهم على سبيل التجريح أو التنديد أو التشهير .

قوله : { ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا } يعني طهر قلوبنا من الحقد والحسد فلا تجعل فيها بغضا أو حسدا لأحد من المؤمنين { ربنا إنك رؤوف رحيم } إنك يا ربنا شديد الرحمة بعبادك ترحم التائبين منهم والمستغفرين{[4504]} .


[4504]:تفسير القرطبي جـ 18 ص 31، 32 وتفسير الطبري جـ 8 ص 30 والكشاف جـ 4 ص 84.