تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{ذَرۡنِي وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِيدٗا} (11)

ذرْني ومن خلقتُ وحيدا : اتركني وإياه ولا تشغل قلبك به . وهذا الفعل

لا يستعمل منه إلا فعل الأمر والمضارع ، فلم تستعمل العرب منه الفعل الماضي .

ذرني وفلانا : كِلْه إليّ . . . .

وحيدا : خلقته في بطن أمه وحيدا لا مال له ولا ولد . وكان يقال للوليد بن المغيرة : الوحيد ، لأنه وحيد في قومه ، فمالُه كثير ، من إبلٍ وخيل وغنم وتجارة وزرع وعبيد وله عشرة أبناء الخ . . . .

في هذه الآيات عرضٌ لذِكر أحدِ زعماء قريش الكبار ، هو الوليدُ بن المغيرة . وكان من أكبر أثرياء قريش ورؤيائها ، يُقال له « العَدْل » لأنه كان عَدْلَ قريشٍ كلّها ، إذ كانت قريش تكسو البيتَ ، والوليد يكسوه وحدَه . وكان ممن حرَّم الخمرَ في الجاهلية ، ولكنه أدركَ الإسلامَ وهو شيخٌ كبير وعادى النبيّ عليه الصلاة والسلام وقاوم دعوته بشدّة . وقد سمع القرآنَ وتأثر به وقال عنه : لقد سمعُ من محمدٍ كلاماً ما هو من كلام الإنس ، ولا من كلام الجن . . و الله إن لَه لحلاوةً ، وإن عليه لَطلاوة ، وإن أعلاه لمثْمِر ، وإن أسفلَه لَمُغْدِق ، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه .

ومع ذلك فقد بقي على عنادِه وكفره وجمع قريشاً وقال لهم : « إن الناسَ يأتونكم أيامَ الحج فيسألونكم عن محمد ، فتختلف أقوالكم فيه ، فيقول هذا : كاهنٌ ، ويقول هذا : شاعر ، ويقول هذا : مجنون ، وليس يُشبه واحداً مما يقولون . ولكن أصلَحُ ما قيل فيه أنه ساحر ، لأنه يفرق بين المرء وأخيه والزوج وزوجته » . وقد مات بعد الهجرة بثلاثة أشهر ، وأسلمَ من أولاده خالدُ بن الوليد وهشام وعمارة ، والوليدُ بن الوليد .

دَعني ومن خلقتُه وحيداً فإني سأكفيكَ أمره .