اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ذَرۡنِي وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِيدٗا} (11)

قوله تعالى : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } ، الواو في قوله : { وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } ، كقوله : «والمُكَذبين » في الوجهين المتقدمين في السورة قبلها .

وقوله تعالى : { وَحِيداً } فيه أوجه :

أحدها : أنه حال من الياء في «ذَرْنِي » ، أي : ذرني وحدي معه فأنا أكفيك في الانتقام منه .

الثاني : أنه حال من التاء في «خَلقْتُ » ، أي خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد فأنا أهلكه .

الثالث : أنه حال من «مَن » .

الرابع : أنه حال من عائده المحذوف ، أي خلقته وحيداً ، ف «وَحِيْداً » على هذا حال من ضمير المفعول المحذوف ، أي : خلقته وحده لا مال له ولا ولد ، ثم أعطيته بعد ذلك ما أعطيته ؛ قاله مجاهد{[58492]} .

الخامس : أن ينتصب على الذَّمِّ ، لأنه يقال : إن وحيداً كان لقباً للوليد بن المغيرة ، ومعنى «وَحِيْداً » ذليلاً .

قيل : كان يزعم أنه وحيد في فضله ، وماله ، وليس في ذلك ما يقتضي صدق مقالته لأن هذا لقب له شهر به ، وقد يلقب الإنسان بما لا يتصف به ، وإذا كان لقباً تعين نصبه على الذم .

فصل في معنى «ذرني »

معنى «ذرني » أي : دعني ، وهي كلمة وعيد وتهديد ، «ومَنْ خَلقْتُ » هذه واو المعية ، أي : دعني والذي خلقته وحيداً .

قال المفسرون : هو الوليد بن المغيرة المخزومي ، وإن كان الناس خلقوا مثل خلقه فإنما خص بالذكر لاختصاصه بكفر النعمة ، وأذى الرسول صلى الله عليه وسلم وكان يسمى الوحيد في قومه .

قال ابن عباس : كان الوليد يقول : أنا الوحيد ابن الوحيد ، ليس لي في العرب نظير ، ولا لأبي المغيرة نظير ، فقال الله تعالى : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ } بزعمه «وَحِيْداً » لأن الله تعالى صدقه ، بأنه وحيد{[58493]} .

قال ابن الخطيب{[58494]} : ورد هذا القول بعضهم بأنه تعالى لا يصدقه في دعواه بأنه وحيد لا نظير له ، ذكره الواحدي ، والزمخشري ، وهو ضعيف من وجوه :

الأول : لأنه قد يكون الوحيد علماً فيزول السؤال ، لأن اسم العلم لا يفيد في المسمى صفة ، بل هو قائم مقام الإرشاد .

الثاني : أن يكون ذلك بحسب ظنه ، واعتقاده ، كقوله - عز وجل - : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم } [ الدخان : 49 ] .

الثالث : أنه وحيد في كفره ، وعناده وخبثه ؛ لأن لفظ الوحيد ليس فيه أنه وحيد في العلو والشرف .

الرابع : أنه إشارة إلى وحدته عن نفسه .

قال أبو سعيد الضرير : الوحيد الذي لا أب له كما تقدم في «زَنِيْمٌ » .


[58492]:ذكره القرطبي في "تفسيره" 19/47.
[58493]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (19/47).
[58494]:الفخر الرازي 30/175.