تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{ذَرۡنِي وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِيدٗا} (11)

{ ذرني ومن خلقت وحيدا } آية يعني الوليد بن المغيرة المخزومي ، كان يسمى الوحيد في قومه ، وذلك أن الله عز وجل أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم { حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل الثوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير } [ غافر :1-3 ] .

فلما نزلت هذه الآية قام النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام فقرأها والوليد ابن المغيرة قريبا منه يستمع إلى قراءته ، فلما فطن صلى الله عليه وسلم أن الوليد بن المغيرة يستمع إلى قراءته أعاد النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية :{ حم تنزيل الكتاب من الله العزيز } في ملكه { العليم } بخلقه { غافر الذنب } لمن تاب من الشرك ، { وقابل التوب } لمن تاب من الشرك ، { شديد العقاب } لمن لم يتب من الشرك { ذي الطول } يعني ذي الغنى عمن لم يوحد ، ثم وحد الرب نفسه حين لم يوحده كفار مكة ، فقال :{ لا إله إلا هو إليه المصير } يعني مصير الخلائق في الآخرة إليه ، فلما سمعها الوليد انطلق حتى أتى مجلس بني مخزوم ، فقال : والله لقد سمعت من محمد كلاما آنفا ما هو من كلام الإنس ، ولا من كلام الجن ، وأن أسفله لمعرق ، وأن أعلاه لموفق ، وأن له لحلاوة ، وأن عليه لطلاوة ، وأنه ليعلو وما يعلى .

ثم انصرف إلى منزله ، فقالت قريش : لقد سبأ الوليد ، والله لئن صبأ لتصبون قريش كلها ، وكان يقال للوليد : ريحانة قريش ، فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه ، فانطلق أبو جهل حتى دخل على الوليد ، فقعد إليه كشبه الحزين ، فقال له الوليد : ما لي أراك يا ابن أخي حزينا ؟ فقال أبو جهل : ما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة ليعينوك على كبرك ، ويزعمون أنك إنما زينت قول محمد لتصيب من فضل طعامه ، فغضب الوليد عند ذلك ، وقال : أو ليس قد علمت قريش أني من أكثرهم مالا وولدا ، وهل يشبع محمد وأصحابه من الطعام ، فيكون لهم فضل ؟ فقال أبو جهل : فإنهم يزعمون أنك إنما زينت قول محمد من أجل ذلك .

فقام الوليد فانطلق مع أبي جهل ، حتى أتى مجلس قوه بني مخزوم ، فقال : تزعمون أن محمدا كاهن ، فهل سمعتموه يخبر بما يكون في غد ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : ويزعمون أن محمدا شاعر ، فهل رأيتموه ينطق فيكم بشعر قط ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : وتزعمون أن محمد كذاب ، فهل رأيتموه يكذب فيكم قط ؟ قالوا : اللهم لا ، وكان يسمى محمد صلى الله عليه وسلم قبل النبوة الأمين ، فبرأه من هذه المغالة كلها .

فقالت قريش : وما هو أبا المغيرة ؟ فتفكر في نفسه ما يقول عن محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم نظر فيما يقول عنه ، ثم عبس وجهه ، ويسر يعني وكلح ، فذلك قوله عز وجل :{ إنه فكر وقدر } ، وما يقول لمحمد ، فقدر له السحر ، يقول الله تبارك وتعالى :{ فقتل } يعني لعن { كيف قدر } لمحمد صلى الله عليه وسلم السحر ، ثم نظر ، ثم عبس ، يقول : كلح وبسر ، يعني وتغير لونه يعني أعرض عن الإيمان { استكبر عنه فقال } الوليد لقومه :{ إن هذا } الذي يقول محمد { إلا سحر يؤثر } فقال له قومه وما السحر يا أبا المغيرة ؟ وفرحوا ، فقال : شيء يكون ببابل إذا تعلمه الإنسان يفرق بين الاثنين ومحمد يأثره ، ولما يحذفه بعد وأيم الله ، لقد أصاب فيه حاجته أما رأيتموه فرق بين فلان وبين أهله ، وبين فلان وبين أبيه ، وبين فلان وبين أخيه ، وبين فلان وبين مولاه ، فهذا الذي يقول محمد سحر يؤثر عن مسليمة بن حبيب الحنفي الكذاب يقول : يرويه عنه ، فذلك قوله :{ إن هذا إلا سحر يؤثر } يقول : إن هذا الذي يقول محمد إلا قول بشر .

قال الوليد بن المغيرة : عن يسار أبي فكيهة هو الذي يأتيه به من مسيلمة الكذاب ، فجعل الله له سقر ، وهو الباب الخامس من جهنم ، فلما قال ذلك الوليد شقى ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يشق عليه ، فيما قذف بغيره من الكذب ، فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم يعزيه ليصبر على تكذيبهم ، فقال : يا محمد { كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون } [ الذاريات :52 ] ، وأنزل في الوليد بن المغيرة :{ ذرني ومن خلقت وحيدا } يقول : خل بيني يا محمد وبين من خلقت وحيدا ، يقول : حين لم يكن له مال ولا بنون ، يعني خل بيني وبينه ، فأنا أتفرد بهلاكه ، وأما الوليد ، يعني خلقته ليس له شيء ، يقول عز وجل فأعطيته المال والولد .

فذلك قوله :{ وجعلت له مالا ممدودا }