الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَيۡهِمۡ كِسَفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (9)

أعلم الله تعالى أن الذي قدر على خلق السموات والأرض وما فيهن قادر على البعث وعلى تعجيل العقوبة لهم ، فاستدل بقدرته عليهم ، وأن السموات والأرض ملكه ، وأنهما محيطتان بهم من كل جانب ، فكيف يأمنون الخسف والكسف . كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة . وقرأ حمزة والكسائي إن يشأ يخسف بهم الأرض أو يسقط " بالياء في الثلاث ؛ أي إن يشأ الله أمر الأرض فتنخسف بهم ، أو السماء فتسقط عليهم كسفا . الباقون بالنون على التعظيم . وقرأ السلمي وحفص " كسفا " بفتح السين . الباقون بالإسكان . وقد تقدم بيانه في " الإسراء " {[12959]} وغيرها . " إن في ذلك لآية " أي في هذا الذي ذكرناه من قدرتنا " لآية " أي دلالة ظاهرة . " لكل عبد منيب " أي تائب رجاع إلى الله بقلبه . وخص المنيب بالذكر لأنه المنتفع بالفكرة في حجج الله وآياته .


[12959]:راجع ج 10 ص 330.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَيۡهِمۡ كِسَفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (9)

قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ } .

ذلك توبيخ من الله للمكذبين بيوم القيامة الذين يسخرون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الله فيهم مبكتا مُقرِّعا : { أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ } يعني أفلا ينظر هؤلاء الجاحدون إلى ما حولهم من السماوات والأرض ، فكل ذلك مملوك لله ، وهم حيثما كانوا فإن ملكوت الله محيط بهم من أمامهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم وإنْ يشأ الله { نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ } الخسف الذهاب في الأرض{[3786]} أي يعذبهم بالخسف ليغوروا في الأرض { أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ } أي إن يشأ الله يعذبهم بإسقاط السماء عليهم قطعا فيدمرهم تدميرا .

قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ } الإشارة عائدة إلى إسقاط السماوات والأرض عليهم وقدرة الله على إهلاكهم بالذهاب في الأرض وإسقاط السماء عليهم قطعا ، فإن ذلك كله لدلالة ظاهرة لكل عبد مؤمن راجع إلى الله بقلبه وجوارحه . وقد خصَّ العبد المنيب ؛ لأنه أجدر أن ينتفع بالذكرى .


[3786]:مختار الصحاح ص 175