الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِذَا وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي سبع وتسعون آية

مكية في قول الحسن وعكرمة وجابر وعطاء . وقال ابن عباس وقتادة : إلا آية منها نزلت بالمدينة وهي قوله تعالى : " وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون " [ الواقعة : 82 ] . وقال الكلبي : مكية إلا أربع آيات ، منها آيتان " أفبهذا الحديث أنتم مدهنون . وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون " [ الواقعة : 82 ] نزلتا في سفره إلى مكة ، وقوله تعالى : " ثلة من الأولين . وثلة من الآخرين " [ الواقعة : 40 ] في سفره إلى المدينة . وقال مسروق : من أراد أن يعلم نبأ الأولين والآخرين ، ونبأ أهل الجنة ، ونبأ أهل النار ، ونبأ أهل الدنيا ، ونبأ أهل الآخرة ، فليقرأ سورة الواقعة . وذكر أبو عمر بن عبدالبر في " التمهيد " و " التعليق " والثعلبي أيضا : أن عثمان دخل على ابن مسعود يعوده في مرضه الذي مات فيه فقال : ما تشتكي ؟ قال : ذنوبي . قال : فما تشتهي ؟ قال : رحمة ربي . قال : أفلا ندعو لك طبيبا ؟ قال : الطبيب أمرضني . قال : أفلا نأمر لك بعطاء لك ؟ قال : لا حاجة لي فيه ، حبسته عني في حياتي ، وتدفعه لي عند مماتي ؟ قال : يكون لبناتك من بعدك . قال : أتخشى على بناتي الفاقة من بعدي ؟ إني أمرتهن أن يقرأن سورة " الواقعة " كل ليلة ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا ) .

قوله تعالى : " إذا وقعت الواقعة " أي قامت القيامة ، والمراد النفخة الأخيرة . وسميت واقعة ؛ لأنها تقع عن قرب . وقيل : لكثرة ما يقع فيها من الشدائد . وفيه إضمار ، أي اذكروا إذا وقعت الواقعة . وقال الجرجاني : " إذا " صلة ، أي وقعت الواقعة ، كقوله : " اقتربت الساعة{[14608]} " [ القمر : 1 ] و " أتى أمر الله{[14609]} " [ النحل : 1 ] وهو كما يقال : قد جاء الصوم أي دنا واقترب . وعلى الأول " إذا " للوقت ، والجواب قوله : " فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة " [ الواقعة : 8 ] .


[14608]:راجع جـ 10 ص 65.
[14609]:راجع ص 125 من هذا الجزء.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِذَا وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية وآياتها ست وتسعون ، وهي حافلة بأخبار القيامة وما يقع فيها وبين يديها من الأهوال الجسام والبلايا الرعيبة ، ومثل هذه الحقائق المذهلة تتراءى للخيال من الآيات والكلمات التي تضمنتها هذه السورة ، وهي آيات وكلمات تثير من عجائب الذكرى ما ينشر في النفس الفزع والرهبة ، وهذه حقيقة يستيقنها المتدبر وهو يتلو كلمات ربه في قوله : { إذا رجت الأرض رجا 4 وبسّت الجبال بسّا 5 فكانت هباء منبثا } وفي السورة بيان بفئات العباد الثلاث يوم القيامة وهم أهل اليمين ، وأهل الشمال ، والسابقون المقربون ، وما أعده الله لكل فئة من الجزاء ، إلى غير ذلك من ألوان المواعظ والترهيب .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ إذا وقعت الواقعة 1 ليس لوقعتها كاذبة 2 خافضة رافعة 3 إذا رجت الأرض رجا 4 وبست الجبال بسا 5 فكانت هباء منبثا 6 وكنتم أزواجا ثلاثة 7 فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة 8 وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة 9 والسابقون السابقون 10 أولئك المقربون 11 في جنات النعيم } .

ذلك إعلان من الله بأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن هذه حقيقة كائنة لا محالة فلا يصرفها صارف ولا يدفعها دافع ، وأن الناس حينئذ أصناف ثلاثة ، صنفان في الجنة وثالث في النار . وهو قوله : { إذا وقعت الواقعة } والواقعة اسم من أسماء القيامة . وقد سميت بذلك لتحقق وقوعها إذا شاء الله لها أن تقع . على أن التعبير باسم الفاعل في الواقعة ينبه إلى القيامة كائنة حقا وأن وقوعها آت لا شك فيه .