الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ قَدۡ جَآءَتۡكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡۖ فَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ وَٱلۡمِيزَانَ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (85)

فيه أربع مسائل :

الأولى - قوله تعالى : " وإلى مدين " قيل في مدين : اسم بلد وقطر . وقيل : اسم قبيلة كما يقال : بكر وتميم . وقيل : هم من ولد مدين بن إبراهيم الخليل عليه السلام . فمن رأى أن مدين اسم رجل لم يصرفه لأنه معرفة أعجمي . ومن رآه اسما للقبيلة أو الأرض فهو أحرى بألا يصرفه . قال المهدوي : ويروى أنه كان ابن بنت لوط . وقال مكي : كان زوج بنت لوط . واختلف في نسبه . فقال عطاء وابن إسحاق وغيرهما : وشعيب هو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم عليه السلام . وكان اسمه بالسريانية بيروت . وأمه ميكائيل بنت لوط . وزعم الشرقي بن القطامي أن شعيبا بن عيفاء بن يوبب بن مدين بن إبراهيم . وزعم ابن سمعان أن شعيبا بن جزى بن يشجر بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم . وشعيب تصغير شعب أو شعب{[7253]} . وقال قتادة : هو شعيب بن يوبب{[7254]} . وقيل : شعيب بن صفوان بن عيفاء بن ثابت بن مدين بن إبراهيم{[7255]} . والله أعلم . وكان أعمى{[7256]} ؛ ولذلك قال قومه : " وإنا لنراك فينا ضعيعا{[7257]} " [ هود : 91 ] . وكان يقال له : خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه . وكان قومه أهل كفر بالله وبخس للمكيال والميزان .

قوله تعالى : " قد جاءتكم بينة من ربكم " أي بيان ، وهو مجيء شعيب بالرسالة . ولم يذكر له معجزة في القرآن . وقيل : معجزته فيما ذكر الكسائي في قصص الأنبياء .

الثانية - قوله تعالى : " فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم " البخس النقص . وهو يكون في السلعة بالتعييب والتزهيد فيها ، أو المخادعة عن القيمة ، والاحتيال في التزيد في الكيل والنقصان منه . وكل ذلك من أكل المال بالباطل ، وذلك منهي عنه في الأمم المتقدمة والسالفة على ألسنة الرسل صلوات الله وسلامه على جميعهم{[7258]} وحسبنا الله ونعم الوكيل .

الثالثة - قوله تعالى : " ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها " عطف على " ولا تبخسوا " . وهو لفظ يعم دقيق الفساد وجليله . قال ابن عباس : كانت الأرض قبل أن يبعث الله شعيبا رسولا يعمل فيها بالمعاصي وتستحل فيها المحارم وتسفك فيها الدماء . قال : فذلك فسادها . فلما بعث الله شعيبا ودعاهم إلى الله صلحت الأرض . وكل نبي بعث إلى قومه فهو صلاحهم .


[7253]:في شرح القاموس: "تصغير شعب أو شعب : كما قالوا في تصغير أسود سويد".
[7254]:في ع: ثويب.
[7255]:وردت هذه الأسماء مضطربة في نسخ الأصل وفي المصادر التي بين أيدينا ولم نوفق لضبطها .
[7256]:ليس رسول من الله أعمى وإنما شعيب الرجل صاحب موسى هو فيما قيل أعمى وبينهما ثلاثمائة سنة إذ عصمة الأنبياء ما ينفر من الصفات. مصححه.
[7257]:راجع ج 9 ص 84.
[7258]:من ع