السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ قَدۡ جَآءَتۡكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡۖ فَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ وَٱلۡمِيزَانَ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (85)

{ وإلى مدين } أي : وأرسلنا إلى ولد مدين بن إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام { أخاهم } في النسب لا في الدين { شعيباً } بن ميكيل بن يشجر بن مدين وكان يقال له : خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه عليه السلام وكان قومه أهل كفر وبخس للمكيال والميزان { قال } أي : شعيب عليه السلام { يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره قد جاءتكم بينة } أي : معجزة تدلّ على صدق ما جئت به { من ربكم } أوجبت عليكم الإيمان بي والأخذ بما آمركم به .

فإن قيل : ما كانت معجزته إذ لم تذكر له معجزة ؟ أجيب : بأنه قد وقع العلم بأنه كان له معجزة لقوله : { قد جاءتكم بينة من ربكم } ولأنه لا بدّ لمدّعي النبوّة من معجزة تشهد له وتصدّقه وإلا لم تصح دعواه وكان متنبئاً لا نبياً غير أنّ معجزته لم تذكر في القرآن كما لم تذكر أكثر معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم فيه ومن معجزات شعيب عليه السلام الواردة في غير القرآن ما روي من محاربة عصا موسى التنين حين دفع إليه الغنم وولادة الغنم الدرع حين وعده أن يكون له الدرع من أولادها والدرع بوزن الصرد وهي الغنم التي أوائلها سواد وأواخرها بياض ووقوع عصا آدم عليه السلام على يده في المرات السبع وغير ذلك من الآيات لأن هذه كلها كانت قبل أن يستنبأ موسى عليه السلام فكانت معجزة لشعيب وهذا أولى من جعله كرامة لموسى أو إرهاصاً وهو علامة تظهر قبل النبوّة وقيل : أراد بالبينة الموعظة وهي قوله تعالى : { فأوفوا الكيل والميزان } أي : أتموهما { ولا تبخسوا } أي : تنقصوا { الناس أشياءهم } فتطففوا الكيل والوزن يقال : بخس فلان الكيل والوزن إذا نقصه وطففه .

فإن قيل : هلا قال المكيال والميزان كما في سورة هود ؟ أجيب : بأنه أراد بالكيل آلة الكيل وهو المكيال أو سمى ما يكال به بالكيل ، أو أريد وأوفوا كيل المكيال ووزن الميزان وإنما قال { أشياءهم } لأنهم كانوا يبخسون الناس كل شيء في مبايعاتهم أو كانوا مكاسين لا يدعون شيئاً إلا مكسوه كما يفعل أمراء الجور { ولا تفسدوا في الأرض } أي : بالكفر والمعاصي { بعد إصلاحها } أي : بعدما أصلح أمرها وأهلها الأنبياء وأتباعهم بالشرائع { ذلكم } أي : الذي ذكرت لكم وأمرتكم به من الإيمان ووفاء الكيل والميزان وترك المظالم والبخس { خير لكم } أي : مما أنتم عليه من الكفر وظلم الناس { إن كنتم مؤمنين } أي : مصدّقين بما أقول لكم ومعنى { خير لكم } أي : في الإنسانية وحسن ما يتحدّث به وجمع المال لأنّ الناس ترغب في متاجرتكم إذا عرفوا منكم الأمانة والتسوية .