تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ قَدۡ جَآءَتۡكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡۖ فَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ وَٱلۡمِيزَانَ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (85)

الآية 85 وقوله تعالى : { وإلى مدين أخاهم شعيبا } هو ما ذكرنا في ما تقدم ؛ أي أرسلنا شعيبا إلى مدين رسولا . وقوله تعالى : { أخاهم } قد ذكرنا في ما تقدم الأخوّة أنها تكون لوجوه : أخوّة النسب وأخوّة الجوهر وأخوّة المادة والخلّة وأخوّة الدين . فلا تحتمل أخوّة الأنبياء أولئك إخوة الدين والمودة ، لكن تحتمل أخوّة الجوهر والنسب .

وقوله تعالى : { قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره }قد ذكرنا أيضا أن الرسل ، إنما جاؤوا ، وبعثوا بالدعاء إلى توحيد الله والعبادة له ، وأن لا معبود يستحق العبادة سواه .

وقوله تعالى : { قد جاءتكم بيّنة من ربكم } قال بعضهم : كانت نفس شعيب بينة وحجة لقومه ، لكنا لا نعلم ذلك ، غير أنه كانت معه آيات وبراهين ، لكن الله تعالى لم يبين لنا ذلك .

ونفس محمد ، عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات ، كانت حجة وبيّنة بالأعلام{[8637]} التي جعل له في نفسه : من ذلك الختم الذي كان بين كتفيه ، والنور الذي كان في وجه من كان في صلبه وقت كونه فيه ، والضوء الذي رئي أنه كان وقت ولادته ، والغمام الذي أضله وقت غيبته عن أهله ، وحفظه نفسه عن جميع ما كان يتعاطاه قومه من عبادتهم الأصنام وتعاطيهم الفواحش ؛ فهو صلى الله عليه وسلم كان بريئا من ذلك كله ، وما لم يؤخذ عليه كذب قط ، وقد كان نشأ بين أظهرهم ، وغير ذلك من الأعلام التي كانت في نفسه ظاهرة لقومه . فلو لم يكن له آيات غيرها لكانت واحدة منها كافية لمن لم يكابر ، فكيف وقد كانت له آيات حسية وعقلية سوى ما ذكرنا ، تقهر [ غير ]{[8638]} المنصفين على قبولها ؟

ويحتمل قوله تعالى : { قد جاءتكم بيّنة من ربكم } أي حجة في أنه رسول أو على توحيد الله .

وقوله تعالى : { فأوفوا الكيل والميزان } وذكر في هود في قصته { أوفوا المكيال والميزان بالقسط } [ الآية : 85 ] وليس في قوله { فأوفوا الكيل والميزان } أنهم كانوا لا يوفون في سورة هود { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } [ الآية : 85 ] ودل قوله : { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } [ الأعراف : 85 ] أن الأشياء ملك لهم ، وإن كانت{[8639]} في قبض أولئك وفي أيديهم .

ثم يحتمل الأمر بإيفاء الكيل{[8640]} والميزان وجوها{[8641]} :

أحدها : لما كانوا أمناء لئلا تذهب عنهم تلك الأمانة التي كانت لهم في قومه .

والثاني : لئلا يظلموا الناس في منع حقوقهم وأموالهم .

والثالث : للربا ؛ كان ما منعوا منهم من [ الكيل والوزن ]{[8642]} ربا لهم .

يدل [ على ]{[8643]} ذلك قوله : { بالقسط }ذكر العدل . فلو كانت{[8644]} تجوز /180-أ/ تلك الزيادة والنقصان ، إذا طابت أنفسهم بالزيادة والنقصان لكان لا معنى لذكر القسط فيه ؛ لأن من زاد آخر على حقه لم يمنع عن ذلك ، ولم يذم . دل النهي عن ذلك على أنه للربا ما منعوا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } أي بعد أن جعلها لكم صالحة لمعاشكم ومقامكم فيها ، وبعد ما أمر ، وبيّن لكم ما به صلاحكم وصلاح دينكم ، أو بعد ما أرسل من الرسل ما بهم صلاح الأرض وأهلها { ذلكم خير لكم } أي وفاء الكيل والميزان خير لكم من النقصان لما ينمو ذلك الباقي ، ويزداد . فذلك خير لكم من النقصان الذي تمنعون ، فلا ينمو شيء{[8645]} . وهو كقوله تعالى : { بقيت الله خير لكم } [ هود : 86 ] .

ويحتمل : { ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين } أي أمنكم في الآخرة خير لكم من نقصان الكيل والميزان في الدنيا ، والله اعلم .


[8637]:في الأصل وم: بأعلام.
[8638]:ساقطة من الأصل وم.
[8639]:في الأصل وم: كان.
[8640]:من م، في الأصل: الأمر.
[8641]:في الأصل وم: وجوه.
[8642]:في الأصل وم: الكيلي والوزني.
[8643]:ساقطة من الأصل وم.
[8644]:في الأصل وم: كان.
[8645]:في الأصل وم: شيئا.