الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ قَدۡ جَآءَتۡكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡۖ فَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ وَٱلۡمِيزَانَ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (85)

أخرج ابن عساكر من طريق إسحق بن بشر قال : أخبرني عبيد الله بن زياد بن سمعان عن بعض من قرأ الكتب قال : إن أهل التوراة يزعمون أن شعيباً اسمه في التوراة ميكائيل ، واسمه بالسريانية جزى بن بشخر ، وبالعبرانية شعيب بن بشخر بن لاوي بن يعقوب عليه السلام .

وأخرج ابن عساكر من طريق إسحق بن بشر عن الشرقي ابن القطامي وكان نسابة عالماً بالأنساب قال : هو ثيروب بالعبرانية ، وشعيب بالعربية ابن عيفا بن يوبب بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام . يوبب بوزن جعفر أوله مثناة تحتية وبعد الواو موحدتان .

وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان شعيب نبياً ورسولاً من بعد يوسف ، وكان من خبره وخبر قومه ما ذكر الله في القرآن { وإلى مدين أخاهم شعيباً قال : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } فكانوا مع ما كان فيهم من الشرك أهل بخس في مكايلهم وموازينهم مع كفرهم بربهم وتكذيبهم نبيهم ، وكانوا قوماً طغاة بغاة يجلسون على الطريق فيبخسون الناس أموالهم حتى يشترونه ، وكان أوّل من سن ذلك هم ، وكانوا إذا دخل عليهم الغريب يأخذون دراهمه ويقولون دراهمك هذه زيوف فيقطعونها ثم يشرونها منه بالبخس يعني بالنقصان ، فذلك قوله { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } وكانت بلادهم بلاد ميرة يمتار الناس منهم ، فكانوا يقعدون على الطريق فيصدون الناس عن شعيب يقولون : لا تسمعوا منه فإنه كذاب يفتنكم ، فذلك قوله { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } الناس أن اتبعتم شعيباً فتنكم ، ثم إنهم تواعدوه فقالوا : يا شعيب لنخرجنك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا أي إلى دين آبائنا ، فقال عند ذلك { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإِصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت } [ هود : 88 ] وهو الذي يعصمني { وإليه أنيب } [ هود : 88 ] يقول : إليه ارجع . ثم قال { أولو كنا كارهين } يقول : إلى الرجعة إلى دينكم إن رجعنا إلى دينكم { فقد افترينا على الله كذباً . . . وما يكون لنا } يقول : وما ينبغي لنا أن نعود فيها بعد إذ نجانا الله منها { إلا أن يشاء الله ربنا } فخاف العاقبة فرد المشيئة إلى الله تعالى فقال { إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما } ما ندري ما سبق لنا { عليه توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين } يعني الفاصلين قال ابن عباس : كان حليماً صادقاً وقوراً ، وكان رسول الله صلى عليه وسلم إذا ذكر شعيباً يقول « ذاك خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه فيما دعاهم إليه ، وفيما ردوا عليه وكذبوه وتواعدوه بالرجم والنفي من بلادهم » وتواعد كبراؤهم ضعفاءهم قالوا { لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون } فلم ينته شعيب أن دعاهم ، فلما عتوا على الله { أخذتهم الرجفة } وذلك أن جبريل نزل فوقف عليهم ، فصاح صيحة رجفت منها الجبال والأرض فخرجت أرواحهم من أبدانهم ، فذلك قوله { فأخذتهم الرجفة } وذلك أنهم حين سمعوا الصيحة قاموا قياماً وفزعوا لها ، فرجفت بهم الأرض فرمتهم ميتين .

وأخرج إسحق وابن عساكر عن عكرمة والسدي قالا : ما بعث الله نبياً مرتين إلا شعيباً . مرة إلى مدين فأخذهم الله بالصيحة ، ومرة أخرى إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله بعذاب يوم الظلة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } قال : لا تظلموا الناس .

85