الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ} (10)

قوله تعالى : " وإذا الصحف نشرت " أي فتحت بعد أن كانت مطوية ، والمراد صحف الأعمال التي كتبت الملائكة فيها ما فعل أهلها من خير وشر ، تطوي بالموت ، وتنشر في يوم القيامة ، فيقف كل إنسان على صحيفته ، فيعلم ما فيها ، فيقول : " مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها " [ الكهف : 49 ] . وروى مرثد بن وداعة قال : إذا كان يوم القيامة تطايرت الصحف من تحت العرش ، فتقع صحيفة المؤمن في يده " في جنة عالية " [ الحاقة : 22 ] إلى قوله : " الأيام الخالية " [ الحاقة : 24 ] وتقع صحيفة الكافر في يده " في سموم وحميم " إلى قوله " ولا كريم " [ الواقعة : 42 ] . وروي عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة ) فقلت : يا رسول الله فكيف بالنساء ؟ قال : ( شغل الناس يا أم سلمة ) . قلت : وما شغلهم ؟ قال : ( نشر الصحف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل ) . وقد مضى في سورة " الإسراء " قول أبي الثوار العدوي : هما نشرتان وطَيَّة ، أما ما حييت يا ابن آدم فصحيفتك المنشورة فأمل فيها ما شئت ، فإذا مت طويت ، حتى إذا بعثت نشرت " اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " [ الإسراء : 14 ] . وقال مقاتل : إذا مات المرء طويت صحيفة عمله ، فإذا كان يوم القيامة نشرت . وعن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا قرأها قال : إليك يساق الأمر يا ابن آدم . وقرأ نافع وابن عام وعاصم وأبو عمرو " نشرت " مخففة ، على نشرت مرة واحدة ، لقيام الحجة . الباقون بالتشديد على تكرار النشر ، للمبالغة في تقريع العاصي ، وتبشير المطيع . وقيل : لتكرار ذلك من الإنسان والملائكة الشهداء عليه .