الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ} (4)

" وإذا العشار عطلت " أي النوق الحوامل التي في بطونها أولادها ، الواحدة عشراء أو التي أتى عليها في الحمل عشرة أشهر ، ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع ، وبعدما تضع أيضا . ومن عادة العرب أن يسموا الشيء باسمه المتقدم وإن كان قد جاوز ذلك ، يقول الرجل لفرسه وقد قرح : هاتوا مهري وقربوا مهري ، ويسميه بمتقدم اسمه ، قال عنترة :

لا تذكري مُهْرِي وما أطمعتُه *** فيكون جلدُكِ مثل جلدِ الأجربِ

وقال أيضا :

وحَمَلْتُ مُهْرِي وسْطَهَا فمضاها{[15818]}

وإنما خص العشار بالذكر ؛ لأنها أعز ما تكون على العرب ، وليس يعطلها أهلها إلا حال القيامة . وهذا على وجه المثل ؛ لأن في القيامة لا تكون ناقة عشراء ، ولكن أراد به المثل : أن هول يوم القيامة بحال لو كان للرجل ناقة عشراء لعطلها واشتغل بنفسه . وقيل : إنهم إذا قاموا من قبورهم ، وشاهد بعضهم بعضا ، ورأوا الوحوش والدواب محشورة ، وفيها عشارهم التي كانت أنفس أموالهم ، لم يعبؤوا بها ، ولم يهمهم أمرها . وخوطبت العرب بأمر العشار ؛ لأن مالها وعيشها أكثره من الإبل . وروى الضحاك عن ابن عباس : عطلت : عطلها أهلها ، لاشتغالهم بأنفسهم . وقال الأعشى :

هو الواهبُ المائةَ المصطفا *** ةَ إما مَخَاضًا وإما عِشارَا

وقال آخر :

ترى المرءَ مهجورا إذا قلَّ مالُه *** وبيتُ الغِنَى يُهدَى له ويُزَارُ

وما ينفع الزوارَ مالُ مَزُورِهِم *** إذا سَرَحَت شَوْلٌ{[15819]} له وعِشَارُ

يقال : ناقة عشراء ، وناقتان عشراوان ، نوق عشار وعشراوات ، يبدلون من همزة التأنيث واوا . وقد عشرت الناقة تعشيرا : أي صارت عشراء . وقيل : العشار : السحاب يعطل مما يكون فيه وهو الماء فلا يمطر ، والعرب تشبه السحاب بالحامل . وقيل : الديار تعطل فلا تسكن . وقيل : الأرض التي يعشر زرعها تعطل فلا تزرع . والأول أشهر ، وعليه من الناس الأكثر .


[15818]:صدره: * وضربت قرني كبشها فتجدلا *
[15819]:في ظ: بزل.