لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (24)

قوله جلّ ذكره : { وهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وََأيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } .

قيل إن سبعين رجلاً من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون قتله ( فأخذناهم سِلْماً فاستحييناهم ) فأنزل اللَّهُ هذه الآيةَ في شأنهم .

وقيل أخذ اثني عشر رجلاً من المشركين - بلا عَهْدٍ - فَمنَّ عليهم الرسولُ صلى الله عليه وسلم وقيل : هم أهل الحديبية كانوا قد خرجوا لمنع المسلمين ، وحصل ترامي الأحجار بينهم ؛ فاضطرهم المسلمون إلى بيوتهم ، فأنزل اللَّهُ هذه الآية يمن عليهم حيث كف أيدي بعضهم عن بعض عن قدرة المسلمين ، لا من عجزٍ ؛ فأما الكفار فكفُّوا أيديهم رُعْباً وخوفاً ؛ وأمَّا المسلمون فَنَهياً مِنْ قِبَلِ الله ، لما في أصلابهم من المؤمنين - أراد الله أن يخرجوا ، أو لِمَا عَلِمَ أن قوماً منهم يؤمنون .

والإشارة فيه : أن من الغنيمة الباردة والنعم السنية أن يَسْلَم الناسُ منك ، وتسلم منهم . وإن الله يفعل بأوليائه ذلك ، فلا من أَحد عليهم حَيف ، ولا منهم على أحد حيفٌ ولا حسابٌ ولا مطالبة ولا صلحٌ ولا معاتبة ، ولا صداقة ولا عداوة . وكذا من كان بالحق - وأنشدوا :

فلم يبْقَ لي وقتٌ لِذكرِ مُخَالِفٍ *** ولم يبق لي قلبٌ لذكر موافق

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (24)

{ 24-25 } { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا }

يقول تعالى ممتنا على عباده بالعافية ، من شر الكفار ومن قتالهم ، فقال : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ } أي : أهل مكة { عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } أي : من بعد ما قدرتم عليهم ، وصاروا تحت ولايتكم بلا عقد ولا عهد ، وهم نحو ثمانين رجلا ، انحدروا على المسلمين ليصيبوا منهم غرة ، فوجدوا المسلمين منتبهين فأمسكوهم ، فتركوهم ولم يقتلوهم ، رحمة من الله بالمؤمنين إذ لم يقتلوهم ، { وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا } فيجازي كل عامل بعمله ، ويدبركم أيها المؤمنون بتدبيره الحسن .