لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (37)

جرت على لسان آدم مع الحق - سبحانه - كلماتٌ ، وأسمع الحقُّ - سبحانه - آدمَ كلماتٍ ، وأنشدوا :

وإذا خِفْنا من الرقباء عينا *** تكلمت السرائر في القلوب

وأجمل الحقُّ سبحانه القولَ في ذلك إجمالاً ليُبْقي القصة مستورة ، أو ليكون للاحتمال والظنون مساغ ، ولما يحتمله الحال من التأويل مطرح .

ويحتمل أن تكون كلمات آدم عليه السلام اعتذاراً وتنصلا ، وكلمات الحق سبحانه قبولاً وتفضلاً . وعلى لسان التفسير أن قوله تعالى له : أفراراً منا يا آدم ؟ كذلك قوله عليه السلام :{ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أنفُسَنَا }[ الأعراف : 230 ] وقوله : أمخرجي أنت من الجنة ؟ فقال : نعم ، فقال أتردني إليها ؟ فقال : نعم .

ويقال حين أمر بخروجه من الجنة جعل ما أسمعه إياه من عزيز خطابه زاداً ، ليكون له تذكرة وعتاداً :

وأذكر أيام الحمى ثم انْثَني على *** على كبدي من خشية أن تَقطَّعا

ومخاطبات الأحباب لا تحتمل الشرح ، ولا يحيط الأجانب بها علماً ، وعلى طريق الإشارة لا على معنى التفسير والتأويل ، والحكم على الغيب بأنه كان كذلك وأراد به الحق سبحانه ذلك يحتمل في حال الأحباب عند المفارقة ، وأوقات الوداع أن يقال إذا خرجت من عندي فلا تنسَ عهدي ، وإن تَقَاصَر عنك يوماً خبري فإياك أن تؤثر عليّ غيري ، ومن المحتمل أيضاً أن يقال إن فاتني وصولك فلا يتأخَّرَنَّ عني رسولُك .