لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَهَبۡ لِي مُلۡكٗا لَّا يَنۢبَغِي لِأَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (35)

قوله جل ذكره : { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } :

أي مُلْكاً لا يسلبه أحدٌ مني بعد هذا كما سُلِبَ مني في هذه المرة . وقيل أراد انفراده به ليكونَ معجزةً له على قومه . وقيل أراد أنه لا ينبغي لأحدٍ من بعدي أن يسأل المُلْكَ ، بل يجب أن يَكِلَ أمرَه إلى الله في اختياره له .

ويقال لم يقصد الأنبياء ، ولكن قال لا ينبغي من بعدي لأحدٍ من الملوك .

وإنما سأل المُلْكَ لسياسة الناس ، وإنصافِ بعضهم من بعض ، والقيام بحقِّ الله ، ولم يسأله لأَجْلِ مَيْلِه إلى الدنيا . . . وهو كقول يوسف : { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } [ يوسف : 55 ] .

ويقال لم يطلب المُلْكَ الظاهرَ ، وإنما أراد به أن يَمْلِكَ نَفْسَه ، فإن المَلِكَ -على الحقيقة- مَنْ يَمْلِكَ نَفْسَه ، ومَنْ مَلََكَ نَفْسَه لم يَتَّبعْ هواه . ويقال أراد به كمالَ حالهِ في شهود ربِّه حتى لا يَرَى معه غيرَه . ويقال سأل القناعةَ التي لا يبقى معها اختيار . ويقال علم أن سِرَّ نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - ألا يلاحِظَ الدنيا ولا ملكَها فقال : { لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِي } [ ص : 35 ] لا لأنه بَخِلَ به على نبيِّنا صلى الله عليه وسلم ولكن لِعِلْمِه أنه لا ينظر إلى ذلك .