تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَهَبۡ لِي مُلۡكٗا لَّا يَنۢبَغِي لِأَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (35)

قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } يحتمل سؤاله المغفرة عند سؤاله الملك أمرا في ما بينه وبين ربه لأن الملك مما يتلذذ به ، وفيه هوى النفس .

وعلى ذلك خرج سؤال زكريا عليه السلام لما سأل ربه عز وجل الولد ، سأل أمرا بينه وبين ربه في ذلك ، وهو ما قال : { رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } [ آل عمران : 38 ] . وكذلك خرج سؤال الأنبياء في ما سألوا مما فيه اللذة وهوى النفس من الولد وغيره . قرنوا في ذلك السؤال أمرا بينهم وبين ربهم . فعلى ذلك سؤال سليمان عليه السلام الملك ، قرنه بالمغفرة في ذلك .

ثم يحتمل سؤاله المغفرة نفسها عما يكون منه من التقصير في ذلك ، أو يكون سؤاله المغفرة لا نفس المغفرة نحو قول نوح عليه السلام لقومه : { فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا } [ نوح : 10 ] وقوله هود عليه السلام : { ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه } [ هود : 52 ] لا يحتمل أن يأمروا قومهم أن قولوا : نستغفر الله ، لكن أمروهم أن يأتوا بالأسباب التي بها يصيرون أهلا للمغفرة ، وبها يستوجبون التجاوز . فعلى ذلك يحتمل سؤال المغفرة ما ذكرنا ، والله أعلم .

ثم يحتمل سؤال المغفرة ، والله أعلم ، أنه أراد أن يستسلم له الخلق في الإجابة إلى ما يدعو إليه ما يدعو إليه من وحدانية الله تعالى وجعل العبادة له لما رأي أن إجابة الناس وإقبالهم إلى ما عنده من السعة والغنى أسرع ولقوله أقبل ورغبتهم فيه أكثر .

وإذا كان ما ذكرنا ، وهو متعارف في ما بينهم ، أن إجابتهم ، أعني إجابة الناس للملوك ولمن عند السعة والغنى أسرع لهم وأطوع . فكان في سؤاله الملك له نجاة الخلق كلهم بما يستسلمون له ، ويجيبونه إلى ما يدعوهم إليه ، فينجون نجاة لا هلاك بعدها ، والله أعلم .

ثم قوله عز وجل : { وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب } يحتمل وجوها :

أحدهما : أنه سأله ملكا لا ينزع عنه بعد ن نزع مرة على ما يقول أهل التأويل .

والثاني : أنه سأل ربه ملكا لا يكون لأحد ما بقي هو حيا ، فيكون له آية لنبوته ، على أنه لنبوته على ما ذكرنا لو كان مثله لأحد منهم لم يكن له في ذلك آية لنبوته .

والثالث : أنه سأله ملكا ليبقى له الذكر والثناء الحسن كقوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل براهيم ) [ البخاري 3370 ] ونحوه . فعلى ذلك جائز أن يكون سليمان عليه السلام أراد أن يكون مذكورا على ألسن الخلق بالثناء الحسن بالملك الذي سأله ، والله أعلم .