فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَهَبۡ لِي مُلۡكٗا لَّا يَنۢبَغِي لِأَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (35)

{ قَالَ } سليمان { رَبِّ اغْفِرْ لِي } ما صدر عني من الذنب الذي ابتليتني لأجله وطلب المغفرة دأب الأنبياء والصلحاء ، هضما للنفس وإظهارا للذل والخشوع ، وطلبا للترقي في المقامات ثم لما قدم التوبة والاستغفار جعلها وسيلة إلى إجابة طلبته فقال :

{ وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي } قال أبو عبيدة معناه لا يكون لأحد بعدي ، وقيل لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني بعد هذه السلبة أو لا يصح لأحد من بعدي لعظمته ، وليس هذا من سؤال نبي الله سليمان عليه السلام للدنيا وملكها ، والشرف بين أهلها بل المراد بسؤاله الملك أن يتمكن به من إنقاذ حكم الله والأخذ على يد المتمردين من عباده من الجن والإنس ولو لم يكن من المقتضيات لهذا السؤال منه إلا ما رآه عند قعود الشيطان على كرسييه من الأحكام الجارية في عباد الله لكفى .

وجملة { إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } تعليل لما قبلها مما طلبه من مغفرة الله له وهبة الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده ، لا بالأخيرة فقط ، فإن المغفرة أيضا من أحكام وصف الوهابية قطعا قالوا أبو السعود .

وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن عفريتا من الجن جعل يتفلت عليّ البارحة ليقطع عليّ صلاتي ، وإن الله أمكنني منه فلقد هممت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا فتنظروا إليه كلكم ، فذكرت قول أخي سليمان : { وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي } فرده الله خاسئا "