{ قال رب اغفر لي } : هذا أدب الأنبياء والصالحين من طلب المغفرة من الله هضماً للنفس وإظهاراً للذلة والخشوع وطلباً للترقي في المقامات ، وفي الحديث : " إني لأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة " ، والاستغفار مقدمة بين يدي ما يطلب المستغفر بطلب الأهم في دينه ، فيترتب عليه أمر دنياه ، كقول نوح في ما حكى الله عنه : { فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً } الآية .
والظاهر أن طلب الملك كان بعد هذه المحنة .
وذكر المفسرون أنه أقام في ملكه عشرين سنة قبل هذا الابتلاء ، وأقام بعدها عشرين سنة ، فيمكن أنه كان في ملك قبل المحنة ، ثم سأل بعدها ملكاً مقيداً بالوصف الذي بعده ، وهو كونه لا ينبغي لأحد من بعده ، واختلفوا في هذا القيد ، فقال عطاء بن أبي رباح وقتادة : إلى مدة حياتي ، لا أسلبه ويصير إلى غيري .
وقال ابن عطية : إنما قصد بذلك قصداً جائزاً ، لأن للإنسان أن يرغب من فضل الله فيما لا يناله أحد ، لا سيما بحسب المكانة والنبوة .
وانظر إلى قوله : { لا ينبغي } ، إنما هي لفظة محتملة ليست تقطع في أنه لا يعطي الله نحو ذلك الملك لأحد . انتهى .
وقال الزمخشري : كان سليمان عليه السلام ناشئاً في بيت الملك والنبوة ووارثاً لهما ؛ فأراد أن يطلب من ربه معجزة ، فطلب على حسب إلفه ملكاً زائداً على الممالك زيادة خارقة للعادة بالغة حد الإعجاز ، ليكون ذلك دليلاً على نبوته ، قاهراً للمبعوث إليهم ، ولن يكون معجزة حتى تخرق العادات ، فذلك معنى قوله : { لا ينبغي لأحد من بعدي } .
وقيل : كان ملكاً عظيماً ، فخاف أن يعطي مثله أحد ، فلا يحافظ على حدود الله فيه ، كما قالت الملائكة : { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك } وقيل : ملكاً لا أسلبه ، ولا يقوم فيه غيري مقامي .
ويجوز أن يقال : علم الله فيما اختصه به من ذلك الملك العظيم مصالح في الدين ، وعلم أنه لا يطلع بأحبابه غيره ، وأوجبت الحكمة استيهابه ، فأمره أن يستوهبه بأمر من الله على الصفة التي علم الله أن لا يضبطه عليها إلا هو وحده دون سائر عباده .
أو أراد أن يقول : ملكاً عظيماً ، فقال : { لا ينبغي لأحد من بعدي } ، ولم يقصد بذلك إلا عظمة الملك وسعته ، كما تقول لفلان : ما ليس لأحد من الفضل والمال ، وربما كان للناس أمثال ذلك ، ولكنك تريد تعظيم ما عنده . انتهى .
ولما بالغ في صفة هذا الملك الذي طلبه ، أتى في صفته تعالى باللفظ الدال على المبالغة فقال : { إنك إنت الوهاب } : أي الكثير الهبات ، لا يتعاظم عنده هبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.