الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَهَبۡ لِي مُلۡكٗا لَّا يَنۢبَغِي لِأَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (35)

ثم قال تعالى : { قال رب اغفر لي } أي : استر علي ذنبي الذي أذنبت{[58339]} ] . بيني وبينك .

{ وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد } أي : لا تسلبنيه{[58340]} كما سلبنيه هذا الشيطان . قاله قتادة{[58341]} .

وقيل : المعنى : لا يكون مثله لأحد من بعدي{[58342]} .

{ إنك أنت الوهاب } أي : تهب ما تشاء لمن تشاء .

وقيل : المعنى : أعطني فضيلة ومنزلة .

روى أبو عبيد{[58343]} في كتابه مواعظ الأنبياء أن سليمان عليه السلام لما بنى مسجد بيت المقدس ودخله خر ساجدا شكرا لله عز وجل وقال : يا رب ، من دخله من تائب فَتُبْ عليه ، أو مستغفر فاغفر له ، أو سائل فأعطه .

قال : ولما مات داود عليه السلام أوحى الله إلى سليمان أن سَلْنِي حاجتك . قال : أسألك أن تجعل قلبي يخشاك كما كان قلب أبي ، وأن تجعل قلبي يحبك كما كان قلبي أبي . فقال الله جل ذكره : أرسلت إلى عبدي أسأله حاجته ، فكانت حاجته أن أجعل قلبه يخشاني ، وأن أجعل قلبه يحبني ! لأهَبَنَّ له مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعده . فوفقه الله إلى أن سأل ذلك فأعطاه ذلك{[58344]} ، وفي الآخرة لا حساب عليه فيه .

ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أرأيتم سليمان وما أُعطي من ملكه فإنه لم يرفع رأسه إلى السماء تخشعا حتى قبضه الله عز وجل " {[58345]} .

وروى أبو عبيد أن نملة قالت لسليمان : إني{[58346]} على قدري أشكر لله منك ! وكان على فرس ذنوب{[58347]} فخر عنه ساجدا : ( ثم قال : لولا أن أبخلك لسألتك أن تنزع عني ما أعطيتني ){[58348]} .


[58339]:في طرة ح.
[58340]:ح: لا يسلبنيه.
[58341]:انظر: جامع البيان 23/102 والدر المنثور 7/186.
[58342]:جاء في الكشف والبيان 6/240 عن ابن كيسان.
[58343]:هو القاسم بن سلام الهروي أبو عبيد الأزدي الخزاعي بالولاء الخراساني البغدادي. صاحب كتاب الأموال. من كبار العلماء بالحديث والأدب والفقه. توفي سنة 224 هـ. انظر: طبقات الشيرازي 92، وتذكرة الحفاظ 2/417 ت 423، ووفيات الأعيان 4/60 ت 534.
[58344]:ح: إياه.
[58345]:أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 6/100 وأخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن سلمان بن عامر الشيباني مرفوعا. انظر: الدر المنثور 7/189. وورد في الكشف والبيان 240 من رواية سلمان الشعباني قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وذكر الحديث مع بعض الاختلاف).
[58346]:ح: أنا.
[58347]:الفرس الذّنُوب، هو: الفرس الوافر الذَّنَب، الطويل الذَّنَب، انظر: اللسان (مادة: ذنب).
[58348]:ساقط من ح.