الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَهَبۡ لِي مُلۡكٗا لَّا يَنۢبَغِي لِأَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (35)

{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي } ذنبي { وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ } : وقال ابن كيسان : أي لا يكون لأحد .

{ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ } المعطي . قال عطاء بن أبي رباح : يريد هب لي ملكاً لا أُسلبه في باقي عمري كما سلبته في ماضي عمري . وقال مقاتل بن حيان : كان سليمان ملكاً ولكنه أراد بقوله { لاينبغي لأحد من بعدي } تسخير الرياح والطير ، يدل عليه مابعده .

وقيل : إنما سأل ذلك ليكون آية لنبوته ودلالاً على رسالته ومعجزاً لمن سواه . وقيل : إنما سأل ذلك ليكون علماً له على المغفرة وقبول التوبة ، حيث أجاب الله سبحانه وتعالى دعاءه ورد إليه ملكه وزاد فيه . وقال عمر بن عثمان الصدفي : أراد به ملك النفس وقهر الهوى . يؤيده ما أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمّد بن خالد قال : حدثنا داود بن سليمان قال : حدثنا عبد بن حميد قال :

أخبرنا عبد الله بن يزيد قال : حدثنا عبد الرحمن بن زياد الأفريقي قال : حدثنا سلمان بن عامر الشيباني قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أرأيتم سليمان وما أعطاه الله من ملكه ؟ فإنه لم يرفع طرفه إلى السماء تخشعاً لله عز وجل حتّى قبضه الله عزّ وجلّ " .

وأخبرنا شعيب بن محمّد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدثنا أبو الأزهر قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا هشام عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قد عرض لي الشيطان في مصلاي الليلة كأنه هرّكم هذا ، فأخذته فأردت أن أحبسه حتّى أصبح ، فذكرت دعوة أخي سليمان { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِي } فتركته " .

ومنه عن روح عن شعبة عن محمّد بن زياد قال : سمعت أبا هريرة قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن عفريتاً من الجن جعل يتقلب عليَّ البارحة ليقطع عليَّ صلاتي وأن الله عزّ وجلّ أمكنني منه [ فرعته ] فلقد هممت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتّى يصبح فتنظرون إليه كلكم ، فتذكرت قول سليمان : { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِي } فردّه الله عزّ وجلّ خاسئاً " .